للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم قال: «فإن قيل: الجلد يكون متصلاً باللحم واللحم نجس ولا يطهر بالذكاة فكيف يكون الجلد طاهرًا؟.

[قلنا] (١): من مشايخنا من يقول: اللحم طاهر وإن لم يحل الأكل، ومنهم من يقول: نجس، وهو الصحيح عندنا لما مر أن الحرمة في مثله (٢) تدل على النجاسة، ولكنا نقول: بين اللحم والجلد جلدة رقيقة تمنع مماسة اللحم الجلد الغليظ فلا تنجس» (٣)، وكذلك من تعليل شمس الأئمة في طهارة جلد المدبوغ بقوله: «إن المقصود إخراجه من أن يكون صالحًا لمنفعة الأكل وقد حصل» (٤) يعرف به أن لحمه لم يطهر لما أنه لم يخرج عن صلاحيته منفعة الأكل حقيقةً، «وكذلك ذكر الناطفي (٥) -رحِمَهُ الله- إذا صلى ومعه من لحم السباع كالثعلب ونحوه أكثر من قدر الدرهم لا تجوز صلاته وإن كان مذبوحًا» (٦).

«وعن الفقيه أبي جعفر: إذا صلى ومعه لحم سباع الوحش قد ذبح لا تجوز صلاته، ولو وقع في الماء أفسده» كذا في «فتاوى قاضي خان» (٧).

قَالَ (وَشَعْرُ الْمَيْتَةِ وَعَظْمُهَا طَاهِرٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ -رحِمَهُ الله-: نَجِسٌ لأنَّهُ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَيْتَةِ، وَلَنَا أَنَّهُ لا حَيَاةَ فِيهِمَا وَلِهَذَا لا يَتَأَلَّمُ بِقَطْعِهِمَا فَلا يَحُلُّهُمَا الْمَوْتُ إذْ الْمَوْتُ زَوَالُ الْحَيَاةِ

(وَشَعْرُ الإنْسَانِ وَعَظْمُهُ طَاهِرٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: نَجِسٌ لأنَّهُ لا يُنْتَفَعُ بِهِ وَلا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَلَنَا أَنَّ عَدَمَ الانْتِفَاعِ وَالْبَيْعِ لِكَرَامَتِهِ فَلا يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَتِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

-قوله -رحمه الله-: (وقال الشافعي: نجس) وذكر في «المبسوط» (٨): وهذا الاختلاف بناء على أن لا حياة للشعر والعظم عندنا.

وقال الشافعي: فيهما حياة.

وقال مالك: في العظم حياة دون الشعر (٩).


(١) في (ب): «قلت».
(٢) كتب فوقها في (أ): المراد من المثل أن يكون صالحًا للأكل به وكذلك كتبت في حاشية (ب).
(٣) الأسرار ص (٣٠٩).
(٤) المبسوط للسرخسي (١/ ٢٠٢).
(٥) سبق في (ص ٢١٦) هامش (١).
(٦) انظر: فتاوى قاضي خان (١/ ٩) في فصل في النجاسة التي تصيب الثوب أو الكف أو البدن أو الأرض.
(٧) انظر: فتاوى قاضي خان (١/ ٩) في فصل في النجاسة التي تصيب الثوب أو الكف أو البدن أو الأرض.
(٨) المبسوط للسرخسي (٤/ ٢١١) كتاب النكاح.
(٩) مسألة: حكم صوف الميتة وشعرها وعظمها عند الأئمة:
-فمذهب أبو حنيفة أنها طاهرة، بدائع الصنائع (١/ ٢٢٠)، فتح القدير (١/ ٩٦)، البناية (١/ ٣٧٧)، البحر الرائق (١/ ١١٢)، حاشية ابن عابدين (١/ ٢٠٦).
-مذهب الشافعي أنها نجسة، قال النووي: «وفي الشعر خلاف ضعيف وفي العظم خلاف أضعف منه، وأما العصب فنجس بلا خلاف، الأم (١/ ٩، ١٠)، روضة الطالبين (١/ ٤٣)، المجموع (١/ ٢٩٦).
-مذهب مالك أن العظام والقرن والسن والحافر والعصب واللبن فيها حياة فهي نجسة، وأما الشعر والصوف والوبر والريش لا حياة فيها، فهي طاهرة، شرح الزرقاني علي خليل (١/ ٢٣ - ٢٥)، إرشاد السالك مع شرح أسهل المدارك (١/ ٥١ - ٥٤).