للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واستدلوا بقوله تعالى: {مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس: ٧٨]. ولأنه ينمو بنماء ذي الروح فيحله الموت وينجس به. ومالك يقول: العظم يتألم. ويظهر ذلك في السن [بخلاف الشعر.

قلنا: إنه بيان من الحي فلا يتألم به ويجوز الانتفاع به، وقد قال-عليه السلام-: «ما أبين من الحي فهو ميت» (١). فلو كان فيه حياة لما جاز الانتفاع به، ولا نقول: إن العظم يتألم بل ما هو متصل به من اللحم يتألم، وبين الناس كلام في السن] (٢) أنه عظم أو طرف عصب يابس؛ فإن العظم لا يحدث في البدن بعد الولادة، وتأويل قوله تعالى: {مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ} [يس: ٧٨] النفوس.

وفي العصب روايتان:

في إحدى الروايتين: فيه حياة لما فيه من الحركة وينجس بالموت، ألا ترى أنه يتألم الحي بقطعه بخلاف العظم فإن قطع قرن البقرة لا يؤلمها [فدل] (٣) أنه ليس في العظم حياة فلا تنجس بالموت، وإليه أشار رسول الله عليه السلام حين مر بشاةٍ [ملقاةٍ] (٤) لميمونة فقال: «هَلاَّ انْتَفَعْتُمْ بِإِهَابِهَا (٥)؟». فقيل: إنها ميتة. فقال: إنما حرم من الميتة أكلها. وهذا نص على أن ما لا يدخل تحت مصلحة الأكل لا يتنجس بالموت.

وعلى هذا شعر الآدمي طاهر عندنا (٦) خلافًا للشافعي (٧) -رحِمَهُ الله- فإن النبي عليه السلام حين حلق رأسه قسم شعره بين أصحابه (٨)، فلو كان نجسًا لما جوز لهم التبرك به، ولكن لا ينتفع به لحرمته، والذي قيل: إذا طحن سن الآدمي مع الحنطة لم يؤكل فذلك لحرمة الآدمي إلا لنجاسته.


(١) الحديث عن ابن عمر -رضي الله عنهما- بلفظ (مَا قُطِعَ مِنَ الْبَهِيمَةِ وَهِىَ حَيَّةٌ فَهُوَ مَيْتَةٌ) رواه الترمذي (٣/ ١٢٦) باب ما قطع من الحي فهو ميت، ورواه ابن ماجة (٢/ ١٠٧٢) باب ما قطع من البهيمة وهي حية. صححه الألباني في صحيح الجامع (٢/ ٩٨٧) برقم (٥٦٥٢).
(٢) ساقط من (ب).
(٣) في (ب): «فقال».
(٤) ساقط من (ب).
(٥) سبق تخريجه في (ص ٢٤٩).
(٦) انظر، في مذهب الأحناف، شرح فتح القدير (١/ ٩٧)، البناية في شرح الهداية (١/ ٣٨٣).
(٧) جلد الآدمي فيه قولان للشافعي: الجديد: أن الآدمي لا ينجس بالموت، والقديم: أنه ينجس بالموت، وإن قيل بالقديم هذا فيطهر جلد الآدمي بالدباغ على الأصح، وعنده عظم الآدمي نجس، وفي شعر الآدمي قولان، أو وجهان، بناءً على نجاسته بالموت، والأصح: أنه لا ينجس شعره بالموت، ولا بالإبانة، انظر: الوسيط في المذهب (١/ ٢٢٩، ٢٣٠ - ٢٣٦)، روضة الطالبين (١/ ٤١، ٤٣)، الحاوي الكبير (١/ ٦٦)، المجموع (١/ ٢٨٥، ٢٩١).
(٨) الحديث عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-: «أَتَى مِنًى فَأَتَى الْجَمْرَةَ فَرَمَاهَا ثُمَّ أَتَى مَنْزِلَهُ بِمِنًى وَنَحَرَ ثُمَّ قَالَ لِلْحَلاَّقِ: «خُذْ». وَأَشَارَ إِلَى جَانِبِهِ الأَيْمَنِ ثُمَّ الأَيْسَرِ ثُمَّ جَعَلَ يُعْطِيهِ النَّاسَ»، وفي رواية (فقسم شعره بين من يليه، قال: ثم أشار إلى الحلاق وإلى الجانب الأيسر، فحلقه فأعطاه أم سليم)، رواه مسلم (٤/ ٨٢) باب كيف حلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.