للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَلا يَرَى أَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهِ حِرَاسَةً وَاصْطِيَادًا، بِخِلافِ الْخِنْزِيرِ لأنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ، إذْ الْهَاءُ فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِنَّهُ رِجْسٌ} مُنْصَرِفٌ إلَيْهِ لِقُرْبِهِ وَحُرْمَةُ الانْتِفَاعِ بِأَجْزَاءِ الْآدَمِيِّ لِكَرَامَتِهِ فَخَرَجَا عَمَّا رَوَيْنَا ثُمَّ مَا يَمْنَعُ النَّتْنَ وَالْفَسَادَ فَهُوَ دِبَاغٌ وَإِنْ كَانَ تَشْمِيسًا أَوْ تَتْرِيبًا لأنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِهِ فَلا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ غَيْرِهِ

-قوله: (ألا يُرى أنه ينتفع به حراسةً واصطيادًا) فإن قلت: يشكل هذا بالسِّرقين (١) فإنه نجس العين ثم إنه ينتفع به إيقادًا وتقويةً للزراعة.

قلت: قال شيخي -رحمه الله-: هذا انتفاع بالاستهلاك فهو جائز في نجس العين كالاقتراب من الخمر للإراقة.

قوله: (بخلاف الخنزير) وفي «مبسوط شيخ الإسلام» (٢): من مشايخنا من قال: إنما لا يطهر جلد الخنزير بالدبغ لأنه لا [يدبغ] (٣)؛ لأن شعره ينبت من لحمه، ولو تصور دبغه لطهر.

وقال بعضهم (٤): لا يطهر وإن اندبغ؛ لأنه محرم العين شرعًا.

وفي «المبسوط»: «وأما جلد الخنزير فقد روي عن أبي يوسف أنه يطهر بالدباغ أيضًا. وفي ظاهر الرواية أنه لا يحتمل الدباغة، فإن له جلودًا مترادفة بعضها فوق بعض كما للآدمي، وإنما لا يطهر لعدم احتمال [للطهر] (٥) وهو الدباغ، أو لأن عينه نجس وجلده من عينه» (٦) منصرف إليه لقربه.

فإن قلت (٧): المضاف والمضاف إليه إذا كان كل واحد منهما صالحًا لرجوع الضمير إليه يرجع إلى المضاف لا إلى المضاف إليه كما تقول: رأيت ابن زيد فكلمته بخلاف قوله تعالى: {وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (١١٤)} [النحل: ١١٤]؛ إذ العبادة لا تتصور للنعمة وما نحن بصدده من قبيل ابن زيد لوجود صلاحية رجوع الضمير إلى كل واحد من اللحم والخنزير.

قلت: يجوز رجوع الضمير إلى المضاف إليه مع وجود الصلاحية إلى المضاف كما في قوله تعالى: {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ} [البقرة: ٢٧]. قال في «الكشاف» (٨): يجوز أن يرجع الضمير في ميثاقه إلى العهد أو إلى الله، وهذا نص منه على ما ادعيت، وكذلك قال في قوله تعالى: {صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ} [الأنبياء: ٨٠] قرئ بياء المذكر وتاء المؤنث رجعًا إلى اللبوس والصنعة، فلما جاز كلاهما جوازًا شائعًا رجع إلى الخنزير هنا لكونه أشمل للأجزاء وأحوط في العمل، «ثم ما يمنع النتن والفساد فهو دباغ وإن كان تشميسًا وهذا عندنا. وعند الشافعي: لا يكون دباغًا إلا بما يزيل الدسومات النجسة عنه، وذلك باستعمال الشَّثُّ (٩) والقرظ والعفص (١٠).


(١) السِّرقين ويقال: السِّرجين والسُرجين: وهو ما تدمل به الأرض وهو الزبل، لسان العرب (١٣/ ٣٠٨)، المطلع ص (٣٢٩).
(٢) لم أجده في مبسوط شيخ الإسلام، وإنما هو المبسوط للسرخسي (١/ ٢٠٢، ٢٠٣).
(٣) في (أ): «يندفع» والتصويب من (ب).
(٤) أي بعض الشافعية وقد سبق بيان المسألة ص ٢٤٩ هامش (٣).
(٥) في النسختين «الطهر» والتصويب من المبسوط (١/ ٢٠٢).
(٦) المبسوط (١/ ٢٠٢).
(٧) في (ب): «قيل».
(٨) انظر: الكشاف (١/ ١٥٠).
(٩) كتب في حاشية (أ)، (ب): الشَّثُّ بالثاء المثلثة شجر مثل التفاح الصغار يدبغ بورقة وهو كورق الحلاف. والشب بالباء تصحيف منها؛ لأنه نوع من الروائح وهو صباغ لا دباغ المغرب (١/ ٢٤٤).
(١٠) الشث: شجرٌ طيب الريح مُرُّ الطعم ينبت في جبال الغور ونجد، والقرض: ورق السَّلم وهما نبتان يدبغ بهما، والعفص: ثمر معروف كالبندقة يدبغ به. النهاية في غريب الحديث (٢/ ٤٤٤)، لسان العرب (٢/ ١٥٩)، المغرب (١/ ٢٤٤، ٣١٨)، المصباح المنير (٢/ ٤١٨).