للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: فحصل من الأقوال الثلاثة المنقولة عن أبي حنيفة: أنه على القول الأول لا يجوز الصلاة ولا قراءة القرآن، وعلى القول الثاني يجوز قراءة القرآن ولا يجوز الصلاة، وعلى القول الثالث: يجوز كلاهما.

وتسمى هذه المسألة مسألة «جحط» عبارة عن نجاسة كل واحد من الرجل والماء أنهما نجسان، «والحاء» [عبارة] (١) عن إبقاء حال كل واحد منهما على ما كان، والطاء عن طهارة كل واحد منهما، وترتيب الأحكام على ترتيب العلماء الثلاثة.

قَالَ: (وَكُلُّ إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ وَجَازَتْ الصَّلاةُ فِيهِ وَالْوُضُوءُ مِنْهُ إلا جِلْدَ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ) لِقَوْلِهِ -عَلَيْه الصَّلاة والسَّلام-: «أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» وَهُوَ بِعُمُومِهِ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ -رحِمَهُ الله- فِي جِلْدِ الْمَيْتَةِ، وَلا يُعَارَضُ بِالنَّهْيِ الْوَارِدِ عَنْ الانْتِفَاعِ مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ لأنَّهُ اسْمٌ لِغَيْرِ الْمَدْبُوغِ

قوله: ([و] (٢) كل إهاب دبغ فقد طهر جازت الصلاة فيه والوضوء منه) تتعلق هذه المسألة بمواضع ثلاثة: بمسألة الصيد لمناسبة طهارة جلد الصيد بالدباغ، وبمسألة الصلاة لمناسبة جواز الصلاة فيه، وبمسألة الطهارة لمناسبته جواز الوضوء منه فلذلك ذكرها في هذه المواضع في «المبسوط» (٣) وأشبع بيانها في باب الحدث منه.

-وقوله: (إلا جلد الخنزير والآدمي): التقديم دليل التعظيم في موضع التعظيم كقوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} [الواقعة: ١٠ - ١١]. وأما في موضع الإهانة فالتعظيم في تأخيره كقوله تعالى: {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ} [الحج: ٤٠]، وهو بعمومه حجة على مالك؛ لأن النكرة إذا اتصفت بصفة عامة تتعمم كقولهم: أي عبيدي ضربك فهو حر. يعتق كلهم إذا ضربوه، تقديره: أي إهاب مدبوغ فهو طاهر، ثم عند مالك (٤) لا تجوز الصلاة على جلد الميتة ولا الانتفاع به وإن كان مدبوغًا إلا في الجامد من الأشياء (٥).


(١) ساقطة من (ب).
(٢) ساقطة من (أ) والتثبيت من (ب) والهداية.
(٣) المبسوط للسرخسي (١/ ٢٠٢، ١١/ ٢٥٥، ٢٤/ ٢٣).
(٤) المشهور من مذهب المالكية: أن الجلد المأخوذ من الحي أو الميت بخس ولا يطهر بالدباغ، وأما قوله -صلى الله عليه وسلم-: «أَيُّمَا إهَابٍ» أي: جلد «دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» فهو محمول عندهم على الطهارة اللغوية، بمعنى النظافة لا الطهارة الشرعية، فلا يجوز بيعه ولا الصلاة عليه، انظر: القزانين الفقهية (ص ٣٧)، مواهب الجليل (١/ ١٠١)، حاشية الدسوقي (١/ ٥٤)، أسهل المدارك (١/ ٥٤، ٥٥).
(٥) في (ب): «الإسناد» وهو خطأ.