للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما محمد مر على أصله؛ لأن الماء إنما يصير مستعملاً عنده بإقامة القربة ولم يوجد، ولكن طهر الرجل لأن نية القربة ليست بشرط لثبوت الطهارة؛ لأن الماء بطبعه طهور من غير نية.

وكذلك أبو حنيفة مرَّ على أصله وقال: صار الماء مستعملاً بإسقاط الفرض وإن لم توجد نية القربة لما ذكرنا أن النية ليست بشرط لسقوط الفرض، وإذا سقط الفرض صار الماء مستعملاً عنده فيتنجس الرجل.

وذكر الإمام المحبوبي: لما [لم] (١) يشترط النية لسقوط الفرض عند أبي حنيفة: صار الماء مستعملاً فيتنجس الرجل لكن نجاسة الماء النجس لا نجاسة الجنابة عند بعض أصحابنا حتى يجوز له قراءة القرآن ودخول المسجد.

قال الصّدْر الشهيد: (٢): والصحيح أنه ينجس نجاسة الجنابة؛ لأنه بأول الملاقاة صار الماء مستعملاً، فعند أبي يوسف: الرجل بحاله جنب والماء بحاله طاهر؛ لأنه لو حكم بطهارة الرجل صار الماء مستعملاً بأول الملاقاة، والمستعمل عنده نجس فلا يطهر به الرجل، وإذا لم يطهر ينتقض الحكم بالاستعمال فيؤدي إلى الدور فيقال من الابتداء: الماء طاهر بحاله، والرجل جنب بحاله، احترازًا عن الدور.

/ ١٢/ أ/ وقال القدوري: كان شيخنا أبو عبد الله الجرجاني رحمهما الله يقول: الصحيح عندي من مذهب أصحابنا إزالة الحدث يوجب استعمال الماء ولا معنى لهذا الخلاف؛ إذ لا نص عنهم على هذا الوجه يعني أن الماء إنما يكون مستعملاً عند أبي يوسف بأحد أمرين: إسقاط الفرض، ونية القربة.

وعند محمد بنية القربة، ولا يجوز أن [يؤخذ] (٣) هذا الاختلاف من مسألة البئر ويمكن تخريجها على القولين من غير إثبات الخلاف.

قال الكرخي: (٤): ويمكن تخريجها بأن يقال: إن محمدًا إنما لم يحكم بنجاسة [الماء] (٥) البئر لمكان الضرورة كما قلنا في الجنب أو المحدث إذا أدخل يده في الإناء للاغتراف لا يصير الماء مستعملاً بلا خلاف لمكان الضرورة؛ لأن الإنسان عسى لا يجد إناءً صغيرًا أو لا يمكنه صب الماء على يده من الإناء الكبير فيضطر إلى الإدخال وقامت اليد مقام الإناء الصغير، ولم يعتبر أبو يوسف تلك الضرورة في البئر فوقع الاختلاف، وها هنا لا ضرورة، وثبت حكم الاستعمال عند إسقاط الفرض بلا خلاف، ولا يصح الاستدلال بمسألة البئر على إثبات الخلاف ها هنا لوجود الفارق على ما ذكرنا، كذا/ ١٢/ ب/ في «المحيط» (٦) و «[الفوائد] (٧) الظهيرية».


(١) ساقطة من (ب).
(٢) هو عمر بن عبد العزيز بن عمر بن مازة، أبو محمد، المعروف بالصدر الشهيد، الفقيه، الحنفي، الأصولي، المناظر، ولد بخراسان سنة: (٤٨٣ هـ)، وتفقه على أبيه وغيره حتى صار من كبار الأئمة وأعيان الفقهاء، وبالغ في الاجتهاد، وكان معظماً عند السلطان فيما وراء النهر، ويشاوره، ويأخذ برأيه، وذاع صيته بين الناس إلى أن قتله الكفار بسمرقند بعد وقعة قطوان، سنة: (٥٣٦ هـ)، صنف الفتاوى الكبرى والفتاوى الصغرى وشرح الجامع الصغير المطول والمتوسط والمتأخر، والواقعات والمنتقى وعمدة المفتي والمستفتي، وأصول حسام الدين، الفوائد البهية ص (١٤٩)، الجواهر المضية (١/ ٣٩١)، الفتح المبين (٢/ ٢٥)، الأعلام (٥/ ٢١٠).
(٣) في (ب): «يوجد».
(٤) أبو الحسن عبد الله بن الحسين بد دلهم الكرخي- نسبة إلى كرخ قرية بالعراق- انتهت إليه رئاسة الحنفية، من المجتهدين في المسائل توفي سنة: (٣٤٠ هـ) الفوائد البهية ص (١٠٨) تاريخ بغداد (١٠/ ٣٥٣) برقم (٥٥٠٧)، الجواهر المضية (٢/ ٤٩٣).
(٥) ساقطة من (أ) والتثبيت من (ب) والهداية.
(٦) المحيط البرهاني (١/ ١٢١ - ١٢٤) في الفصل الرابع: في المياه التي يجوز التوضؤ بها.
(٧) ساقطة من (ب).