للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وحكمه أنّ الزوج بالخيار إن شاء أعطى لها الوسط من ذلك وإن شاء أعطى قيمته وتجبر المرأة على القبول بخلاف البيع لأنّ النكاح يحتمل ضرباً من الجهالة فإنّه يجوز بمهر المثل مع جهالته فكلّ جهالة هي نظير جهالة مهر المثل لا تمنع صحّة التسمية وجهالة الوصف نظير ذلك فأمّا البيع فلا يصحّ مع الجهالة اصلا ونوع من المهر هو معلوم النّوع والصّفة بأن يزوّجها على مكيل موصوف أو موزون موصوف في الذمّة فإنّه يجوز ولا خيار للزّوج في ذلك بل يجبر الزّوج على دفعه إليها ولا يجوز أن يدفع قيمة ذلك إلا برضاها لأنّ هذا يثبت دينًا في الذمّة صحيحًا ولهذا جاز البيع به فحصل ما يسمّى من المهر دينًا ثلاثة أنواع جهالة فاحشة وجهالة مستدركة وما لا جهالة فيه أصلاً كذا في التحفة (١)، وفتاوى الإمام الولوالجي -رحمه الله-.

ولنا أنّه معاوضة مال بغير مال إلى آخره بيان هذا هو أنّ المهر إنّما يستحقّ عوضاً عمّا ليس بمال والحيوان يثبت دينًا في الذمّة مطلقاً في مبادلة ما ليس بمال [بمال] (٢).

ألا ترى أن الشّرع أوجب في الذمّة مائة من الإبل وأوجب في الجنين غرة عبدًا أو أمة فإذا جاز أن يثبت الحيوان مطلقاً ديناً في الذمّة عوضاً عمّا ليس بمال شرعًا فكذلك يثبت [شرعًا] (٣)، وهذا لأن في معنى الماليّة هذا مال يلتزمه ابتداء والجهالة المستدركة في التزام المال ابتداء لا يمنع صحّته كما في الإقرار فإن من أقرّ لإنسان بعبد صحّ إقراره إلا أنّ هناك لا ينصرف إلى الوسط عند مُحَمَّد لأن المقر به عينه ليس بعوض وهنا عين المهر عوض وإن كان باعتبار صفة الماليّة هو التزام مبتدأ ولكونه عوضاً صرفناه عند إطلاق التّسمية إلى الوسط ليعتدل النّظر من الجانبين كما أوجب الشّرع في الركوب الوسط نظراً للفقراء وأرباب الأموال.

ولكونه ما لا يلتزم ابتداء لا يمنع جهالة الصّفة صحّة الالتزام ولهذا لو أتاها بالقيمة أجبرت على القبول لأنّ صحّة الالتزام باعتبار صفة الماليّة والقيمة فيه كالعين كذا في الْمَبْسُوطِ (٤)، وشرطنا أن يكون المسمّى مالاً هذا جواب سؤال مقدّر بأن يقال لما ألحق هذا بالإقرار ينبغي أن تصحّ التّسمية هنا وإن كان المسمّى مجهول الجنس كما في الإقرار فإنّه لو قال لفلان عليّ شيء يصح إقراره ويجب عليه [بيان] (٥) ما أقرّ به فيتخير بينهما أي الزّوج يتخيّر بين أداء العبد وبين أداء قيمته والمرأة تجبر على القبول بأيّهما أتى إذ الثياب أجناس مختلفة من القطن والكتان والإِبْرَيْسِم (٦)، وغير ذلك كذا في الْمَبْسُوطِ (٧) فإن تزوّج مسلم على خمر أو خنزير فالنكاح جايز وعلى قول مالك النكاح فاسد لأن تسمية الخمر والخنزير تمنع وجوب عوض آخر ولا يمكن إيجاب الخمر بالعقد على المسلم فكان باطلاً كما لو باع عينًا بخمر ولكنّا نقول هما شرطا قبول الخمر وهو شرط فاسد إلا أنّ النكاح لا يبطل بالشّرط الفاسد وشرط صحته التسمية أن يكون المسمّى مالاً فإذا بطلت صار كأنّه لم يسم لها عوضاً فكان لها مهر مثلها وهكذا نقول في البيع يصير كأنّه لم يسمّ ثمنًا والبيع يفسد عند عدم تسمية الثّمن كذا في الْمَبْسُوطِ (٨)، وذكر في الإيضاح وعقد النكاح لا يبطل بالشّروط الفاسدة.


(١) يُنْظَر: تحفة الفقهاء (٢/ ٢٨٥).
(٢) زيادة من (ب).
(٣) وفي (ب): (شرطاً).
(٤) يُنْظَر: الْمَبْسُ وطِ (٥/ ٦٨).
(٥) زيادة من (ب).
(٦) الإِبْرِيسَمُ: هو الحرير، والابريسم معرب، وفيه ثلاث لغات؛ الابريسم: بكسر الهمزة والراء وفتح السين ومنهم بفتح الهمزة والراء، ومنهم من يكسر الهمزة ويفتح الراء.
يُنْظَر: تهذيب اللغة (٩/ ٢٩٢). الصحاح (٥/ ١٨٧١)، مختار الصحاح (١/ ٣٢).
(٧) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٥/ ٦٩).
(٨) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٥/ ٨٩).