للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ألا ترى أنّه يطلّق بغير إذنه إلا أنّا نحتج بحديث عمر -رضي الله عنه- أنّه قال: لا يتزوّج العبد إلا امرأتين (١)، ولأنّ الذي يتعلّق بصفة الحلّ استحلال فعل/ اقتضاء شهوة الفرج وهو لا يتصور ولا يتزوّج إلا من الجانبين فإنّه في الأصل يقع بالنكاح وحق التّمتع يقع مشتركًا بينهما حتّى أن للمرأة حق المطالبة به كما للرّجل ثم أجمعنا على أنّ ما يكون للمرأة من الاستمتاع المعلّق بصفة الحل يعود إلى الشّرط بالرّق حتّى لو كانت المرأتان الحرتان تحت رجل تستويان في حق القسم ولو كانت أحديهما أمة كان لها نصف ما يكون للحرّة فكذلك في جانب الرّجل إذا كان عبدًا.

وقوله: العبد يملك أصل ملك النكاح فملك أصل الشّيء لا يمنع التنصيف بالرّق كالأمة المنكوحة يملك أصل طلب القسم وتنصيف قيمتها بالرّق على ما ذكرنا والسّبي أحد أسباب ملك الرّقبة فمحلّه المال لا النكاح فلذلك لم تقع الفرقة بالسّبي بعض هذا مذكور في (الأسرار) (٢).

وقال أَبُو يُوسُف -رحمه الله- النكاح فاسد ثمّ في النكاح الفاسد لكلّ واحد من الزّوجين فسخ النكاح بغير محضر من صاحبه عند بعض المشايخ وعند بعضهم إن لم يدخل بها فالجواب كذلك وإن دخل بها فليس لواحد منهما حق الفسخ إلا بمحضر من صاحبه ذكره في الفوائد الظهيريّة وفيها أيضاً وأحاله إلى النّوازل فقال رجل تزوّج امرأة بها حبل من الزّنى منه فالنكاح صحيح عند الكلّ [ويستحق النّفقة عند الكلّ] (٣) ويحلّ له وطئها عند الكلّ وهذا الحمل محترم لأنّه لا جناية منه فلما كان محترمًا صار كحمل هو ثابت النّسب وفيه لا يجوز النكاح فكذا هنا وذلك لأنّ حرمة النكاح في حمل ثابت النّسب لوجوب صيانة الحمل عن سقيه بماء حرام فإنّ الحمل يزداد سمعه وبصره حده بالوطء على ما روي عن النبي -عليه السلام-: «أنه أمر بلالاً يؤم أوطاس لينادي ألا من أصاب حبلى فلا يقربنها فإنّ البضع يزيد في السمع والبصر» (٤) أي البضاع (٥) والنكاح يفضي إلى ذلك فلم يجز النكاح هناك لهذا فكذلك ههنا ولهما أنّه من المحللات بالنصّ وهو قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} (٦) فالله تعالى عد المحرمات وهذه غير داخلة في عداد المحرمات فكانت داخلة في عداد المحلّلات ضرورة ولأنّ حرمة الحبل لا تمنع صحة النكاح فإنّه لو تزوّجها من كان نسب الحبل منه يصحّ فعرفنا أنّ المانع حق صاحب النّسب وهذا المعنى غير موجود إذا كان الحبل من الزنى لأنّه لا حق للزّاني وماؤه غير مصون كذا ذكره صاحب الفوائد والمحبوبي.


(١) رواه الدار قطني (٤/ ٤٧٥)، البيهقي (٧/ ٢٥٥)، مصنف بن أبي شيبة (٣/ ٤٦٤)، وصححه الألباني في إرواء الغليل برقم (٢٠٦٧).
(٢) يُنْظَر: شرح فتح القدير (٣/ ٢٤١).
(٣) ساقط من (ب).
(٤) رواه أحمد (١٧/ ٣٢٦)، أبو داود كتاب النكاح باب وطء السبايا برقم (٢١٥٧)، صححه الألباني في الارواء برقم (١٨٧).
(٥) وفي (ب): هامش توضيح (أي الجماع).
(٦) سورة النساء من الآية: ٢٤.