للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قلت: يشكل على هذا قوله -عليه السلام-: «إِنَّمَا يُغْسَلُ الثَّوْبُ مِنْ خَمْسٍ: مِنْ بَوْلٍ، وَغَائِطٍ، وَقَيْءٍ، وَمَنِيٍّ، وَدَمٍ» (١) فبالاتفاق أنّ الثّوب يغسل من [غير خمس] (٢) خمر مع أنّه -عليه السلام- نصّ على العدد مع كلمة الحصر ويشكل أيضاً قوله -عليه السلام-: «ثَلَاث جِدُّهُنّ جِدّ» (٣) الحديث. …

فقد زيد عليه النذر والعفو عن القصاص والعتاق مع أنّ المذكور هو اليمين والنكاح والطّلاق لا غير.

قلت: قال شيخي -رحمه الله- معناه إنّما يغسل الثّوب من خمس ممّا يخرج من بدن الآدمي لأنّ هذا الحديث خرج جواباً لسؤال من سأل عن [النجاسة] (٤)، وهو منحصر على هذا العدد وقد مرّ في الصّلاة.

وأمّا الجواب عن قوله -عليه السلام-: «ثَلَاث جِدُّهُنّ جِدّ» (٥) فمذكور في عوارض الوافي ثم الرّوافض تمسكوا بظاهر قوله تعالى: {مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} (٦) حيث جوّزوا الجمع بين تسع نسوة لما أنّ الواو للجمع فإذا جمعت بين هذه الأعداد كانت تسعًا ولأنّ النبي -عليه السلام- كان قدوة الأمة وهو جمع بين تسع نسوة وحجّتنا في ذلك قوله تعالى: {مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} (٧) والمراد أحد هذه الأعداد قال: الفراء -رحمه الله- (٨) لا وجه لحمل هذا على الجمع (٩) لأنّ العبارة عن التسع بهذا اللّفظ ثم من العيّ في الكلام والدّليل عليه قوله تعالى: {أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} (١٠) والمراد أحد هذه الأعداد بالإجماع والنّبي -عليه السلام- كان مخصوصاً بإباحة تسع نسوة له وهو اتساع حله بفضيله النبوّة فإن بزيادة الفضيلة يزداد الحل كما فيما بين الأحرار والمماليك ولم ينقل عن أحد في حياة رسول الله -عليه السلام- ولا بعده إلى يومنا هذا أنّه جمع بين أكثر من أربع نسوة نكاحاً وقال -عليه السلام-: «يَتَزَوَّجُ الْعَبْدُ ثِنْتَيْنِ وَيُطَلِّقُ تَطْلِيقَتَيْنِ» (١١) ممّا يدل على أنّ الحرّ لا يتزوّج أكثر من أربع لأن حال المملوك على النّصف من حال الحرّ كذا في الْمَبْسُوطِ (١٢) وفي مثل قوله تعالى: {مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} (١٣) يراد القصر على أحد هذه الأعداد ونظيره قول الطّبيب للمريض كل لقمة ولقمتين وثلاثاً يريد إطلاق الثلاث لا الجمع بين الأعداد وقد صحّ أنّه -عليه السلام- فرق بين غيلان الديلمي (١٤) وبين الزيادة على الأربع من نسائه حتّى أسلم وتحته عشر نسوة (١٥) فثبت أنّ الحل مقصود على ما قلنا كذا في مبسوط (١٦) فخر الإسلام، ولأنّ التّأويل لو كان كما قاله الرّوافض من معنى الجمع لجاز ثمانية عشر لأن مثنى معدول من اثنين اثنين وثلاث من ثلاثة ثلاثة ورباع من أربعة أربعة فإذا جمعتها كانت ثمانية عشر وهي لا تجوز بالإجماع علم بهذا أنّ الجمع غير مراد وقال: الشّافعي-رحمه الله- (١٧) لا يتزوّج إلا أمة واحدة لأنّه ضروري عنده هذا في حق الحر حتّى أنّه لا يجوز للحرّ نكاح الأمة [مع طول الحرّة] (١٨) وكذلك لا يجوز نكاح الأمة الكتابية لما أنّ الضرورة ترتفع بالمسلمة وأمّا نكاح الأمة في حق العبد ليس بضروري حتّى جاز للعبد نكاح الأمة مع طول الحرّة ونكاح الأمتين وتزوج الأمة على الحرة عنده لأنّ نكاح الأمة في حقّه ليس ببدل إذ ليس فيه تعريض شيء منه للرّق فإنّه رقيق بجميع أجزائه كذا في الْمَبْسُوطِ (١٩) والحجّة عليه ما تلونا وهو قوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} (٢٠) كما في الظّهار أي يتحقق الظّهار في حق الأمة المنكوحة مع أنّ آية الظهار مذكورة بذكر النّساء قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} (٢١) ولا يجوز أن يتزوّج أكثر من اثنتين والمكاتب والمدبّر وابن أمّ الولد في هذا كالعبد لأنّ الرّق المنصف للحل فيهم قائم كذا في الْمَبْسُوطِ (٢٢) لأنّه في حقّ النكاح بمنزلة الحرّ عنده فقال: ألا ترى أن بالتبني لا تقع الفرقة ولأنّ العبد يملك أهل ملك النكاح بالإجماع ولو صار مملوكًا في حقّه لما ساوى الحرة فيه كما لا يساويه في حق ملك المال لما صار مملوكًا مالاً فعلمنا أنّه بقي في حق ملك النكاح على ما كان ولهذا قلت إنّه يتزوج بغير إذن مولاه.


(١) قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ لم يروه غير ثَابت ابْن حَمَّاد وَهُوَ ضَعِيف. ينظر: الدراية في تخريج أحاديث الهداية (١/ ٩٢)، أخرجه البزار (١/ ١٣١/ ٢٤٨)، والدارقطني في "سننه" (ص ٤٧)، وكذا أبو نعيم في "أخبار أصبهان" (٢/ ٣٠٩) من طريق أبي إسحاق، سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعه (١٠/ ٤١٤).
(٢) ساقط من (ب).
(٣) رواه أبو داود كتاب الطلاق باب في الطلاق على الهَزْلِ برقم (٢١٩٤)، و الترمذى كتاب الطلاق واللعان باب ما جاء في الجد والهزل في الطلاق برقم (١١٨٤)، وابن ماجه كتاب الطلاق باب من طلق أو نكح أو راجع لاعبا برقم (٢٠٣٩)، أخرجه الحاكم وقال اسناده صحيح (٢/ ٢١٦)، وحسنه الألباني في الإرواء برقم (١٨٢٦).
(٤) وفي (ب): (النخامة).
(٥) سبق تخريجه بنفس الصفحة.
(٦) سورة النساء من الآية: ٣.
(٧) سورة النساء من الآية: ٣.
(٨) الفراء: هو يحيى بن زياد بن عبدالله بن منظور الديلميّ، أبو زكرياء: إمام الكوفيين، وأعلمهم بالنحو واللغة: أمير المؤمنين في النحو، ولد في الكوفة سنة (١٤٤ هـ)، من مؤلفاته: "معاني القرآن"، ومات في طريق مكة سنة (٢٠٧ هـ).
يُنْظَر: بغية الوعاة (٢/ ٣٣٣)، الأعلام: (٨/ ١٤٥ - ١٤٦).
(٩) يُنْظَر: معاني القرآن (١/ ٢٥٣).
(١٠) سورة فاطر من الآية: ١.
(١١) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى باب نكاح العبد وطلاقه (٧/ ١٥٨) برقم (١٤٢٦٩) بلفظ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: «يَنْكِحُ الْعَبْدُ امْرَأَتَيْنِ وَيُطَلِّقُ تَطْلِيقَتَيْنِ» وقال الألباني رحمه الله: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. يُنْظَر: إرواء الغليل (٧/ ١٥٠).
(١٢) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٥/ ١٦١).
(١٣) سورة النساء من الآية: ٣.
(١٤) غيلان الديلمي: هو غيْلان بن سلمة الثقفي: حكيم شاعر جاهلي. أدرك الإسلام وأسلم يوم الطائف وعنده عشر نسوة، فأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- فاختار أربعا، فصارت سنة. وكان أحد وجوه ثقيف، انفرد في الجاهلية بأن قسم أعماله على الأيام، فكان له يوم يحكم فيه بين الناس، ويوم ينشد فيه شعره، ويوم يُنْظَر فيه إلى جماله. وهو ممن وفد على كسرى وأعجب كسرى بكلامه، مات سنة (٣٢٠ هـ).
يُنْظَر: الإصابة (٥/ ٢٥٣ - ٢٥٦)، الأعلام (٥/ ١٢٤).
(١٥) رواه أحمد في مسنده (٨/ ٢٢٠ - ٢٢١) برقم (٤٦٠٩)، وقال محققوا المسند: "حديث صحيح بطرقه وشواهده، وبعمل الأئمة المتبوعين به"، وصححه الألباني في إرواء الغليل (٦/ ٢٩١) برقم (١٨٨٣).
(١٦) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٥/ ٥٤).
(١٧) يُنْظَر: تكملة المجموع (١٦/ ٢٣٩).
(١٨) ساقط من (ب).
(١٩) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٥/ ١٢٤).
(٢٠) سورة النساء من الآية: ٣.
(٢١) سورة المجادلة من الآية: ٣.
(٢٢) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٥/ ١٢٤ - ١٢٥).