للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ألا ترى أنّ الصّيد المخلوق من مائي صيدين يحرم على المحرم بالإجماع ولو ربّى ولد شاة بلبن صيد لم يحرم على المحرم وكذلك لو كان ولد شاة من فحل من الظّباء لم يحرم على المحرم وأخذ المائين صيد لأن الصّيد به لم يتكامل فكذلك ههنا لم يتعد الحرمة في حق المحرم من الوطء إلى العقد باعتبار السببيّة لأنّ هذه الحرمة دون حرمة المصاهرة وإلى هذا أشار في الأسرار.

وليّته أي موليّته وما رواه محمول على الوطء أي لا يطأ ولا يمكن المرأة أن يطأها كما هو فعل البعض وقيل هو إخبار عن معتاد أحوال المحرمين أنّهم في إحرامهم لا يستغلون بالإنكاح والنكاح بل هم يستغلون بأمور المناسك من الوقوف والطّواف والرمي كما قال الحاج الشعث النعل ولا يشتغل بالاغتسال لأنّ جواز نكاح الإماء ضروري عنده حتّى أنّه لا يجوز للحرّ أن يتزوج أكثر من واحدة ولا يجوز نكاحها عند طول الحرة ولا يجوز نكاحها [إلا] (١) عند خوف العنت وهو الزنى لما فيه من تعريض الحر على الرّق لأنّ الولد/ جزء منه وهو تابع للأمّ في الرّق فلهذا جعل طول الحرة مانعًا منه أي من تزوّج الأمة لإطلاق المقتضي وهو قوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} (٢).

وقوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} (٣) وفيه امتناع عن تحصيل الحر في الإقدام على نكاح الأمة امتناع عن حدوث صفة الحريّة في الحرّ لا إرقاقه لأنّه لم يوجد بعد وبعد وجود الماء فالماء موات لا يوصف بالرقية والحريّة إلا بطريق التبعية وله أن لا يحصل الأصل بأن يعزل برضاء المرأة وكذلك نكاح العجوز والعقيم يجوز وفيه تضييع النّسل أصلاً فلأن يجوز نكاح الأمة ولو كان فيه تضييع صفة الحريّة للنّسل أولى (٤).

وكذلك إذا تزوّج أمة ثم قدر على طول حرة أو تزوج حرة كان له أن يطأ الأمة بالنكاح بعد ذلك وفيها تعريض ولده للرّق أيضاً وبهذا يتبين أنّ اعتماده على هذا المعنى لا يصحّ.

كذا في الْمَبْسُوطِ (٥) وهو بإطلاقه حجة على الشّافعي-رحمه الله- (٦) في حق تجويزه ذلك العبد فإنّ الشّافعي (٧) يجوّز للعبد أن يتزوّج الأمة على الحرّة والكلام فيه يرجع إلى أصل وهو أنّ المنع عن نكاح الأمة على أصله ما كان لمعنى فيها فإنّ الرّق فتح عليها باباً من أبواب المملوكية فلا يسدّ باباً وإنّما المنع في حق الحرّ لمعنى فيه وهو تعريض جزء منه للرّق مع الغنية عنه ولهذا لم يجوز حال القدرة على نكاح الحرة وهذا لا يوجد في حقّ العبد؛ لأنّه رقيق بجميع أجزائه كذا في الإيضاح فثبت به حل المحلية في حالة الانفراد دون حالة الانضمام وذلك لأنّ الحلّ الذي يبنى عليه عقد النكاح نعمة في جانب الرجال والنساء جميعًا فكما ينتصف ذلك الحلّ برق الرجل حتّى يتزوج العبد ثنتين والحر أربعًا فكذلك ينتصف برق المرأة لأنّ الرّق هو المنّصف والرق يشملهما ولا يمكن إظهار هذا التّنصيف في جانبها بنقصان العدد لأنّ المرأة الواحدة لا تحلّ إلا لواحد فظهر التّنصيف باعتبار الحالة فبعد ذلك أمّا أن يقول الأحوال ثلاث حال ما قبل نكاح الحرّة وبحال ما بعده وحال المقارنة ولكن الحالة الواحدة لا تحتمل التحرّي فنقلت الحرمة على الحلّ فتجعل محللة سابقة على الحرّة ومحرمة مقترنة بالحرة أو متأخّرة عنها أو في الحقيقة حالتان حالة الانضمام إلى الحرّة وحالة الانفراد عنها فتجعل محلّلة منفردة عن الحرة ومحرمة مضمومة إلى الحرة فأمّا إذا كان تحته حرة فهو بنكاح الأمة بضمّها إلى الحرّة فلهذا لا يصحّ كذا في الْمَبْسُوطِ (٨)، ويجوز عندهما لأنّ هذا ليس يتزوج عليها.


(١) ساقط من (ب).
(٢) سورة النساء من الآية: ٣.
(٣) سورة النساء من الآية: ٢٤.
(٤) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٥/ ١٠٩).
(٥) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٥/ ١٠٩).
(٦) لا تحل الأمة المسلمة للحر لمن لم يخشى العنت. يُنْظَر: تكملة المجموع (١٦/ ٢٣٧).
(٧) يجوّز للعبد أن يتزوّج الأمة على الحرّة، والحرة على الأمة. يُنْظَر: بداية المجتهد (٢/ ٤٢)، الأم (٥/ ٤٣).
(٨) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٥/ ١٠٩).