للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وكان شيخي (١) -رحمه الله- (٢) كثيراً ما يقول: ما أنفق في حكم من أحكام الشّرع مثل ما أنفق في النكاح من اجتماع دواعي الشّرع والعقل والطّبع، فأمّا دواعي الشّرع من الكتاب والسنة والإجماع فظاهره، وأمّا العقل فإن كلّ عاقلّ يحب أن يبقى اسمه، ولا يُمْحَى رَسْمُه وما ذاك غالب إلا ببقاء النّسل (٣)، ودوام النَّجْل (٤).

وأمّا الطّبع فإنّ الطَّبْعَ الْبَهِيمِيَّ من الذكر والأنثى يدعو إلى تحقيق ما أُعِدَّ من الْمُبَاضَعَاتِ الشَّهْوَانِيَّةِ وَالْمُضَاجَعَاتِ النَّفْسَانِيَّةِ، ولا مَدْحَرَة (٥) فيها إذا كانت بإذن الشّرع وإن كانت بدواعي الطّبع بل يؤجر عليه على ما ذكرنا (٦) بخلاف سائر المشروعات ثم يحتاج ههنا إلى معرفة سبعة أشياء (٧) وهي تفسير النكاح لغة، وشرعًا، وسببه، وشرطه، وركنه، وحكمه، وصفته.

أمّا تفسير النكاح لغة فقد ذكر المطرزي (٨): أصل النكاح الوطء، ومنه قول الفرزدق (٩) يذم قوما:

إذَا سَقَى اللَّهُ قَوْمًا صَوْبَ غَادِيَةٍ … فَلَا سَقَى اللَّهُ أَرْضَ الْكُوفَةِ الْمَطَرَا

التَّارِكِينَ عَلَى طُهْرٍ نِسَاءَهُمْ … وَالنَّاكِحِينَ بِشَطَّيْ دِجْلَةَ الْبَقَرَا (١٠)

ثم قيل للتزوج نكاح مجازًا لأنّه سبب للوطئ المباح، ومنه قول الأعشى (١١) شعر:

وَلا تَقرَبَنَّ جارَةً إِنَّ سِرِّها … عَلَيكَ حَرامٌ فَاِنكِحَن أَو تَأَبَّدا (١٢)

أي: فتزوج أو توحش وتعفف، عليه أراد تأيدن فأبدل الألف من النّون كما يبدل من التّنوين عند الوقف في حالة النّصب (١٣).


(١) حافظ الدين: هو مُحَمَّد بنُ مُحَمَّد بن نَصْر ابن القلانِسيّ أبو الفضل، الْبُخَارِيّ، الحنفي، ولد في بخارى سنة (٦١٥ هـ)، ومات بها سنة (٦٩٣ هـ). "وكلما ذكر الصغناقي (السغناقي) هذا في شرح الهداية من لفظة الشيخ؛ فالمراد به حافظ الدين. وما ذكر من لفظة الأستاذ، فالمراد به فخر الدين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن إلياس لمايمريمي (الْمَايَمَرْغِيّ) ".
يُنْظَر: المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي (٥/ ١٦٥)، تاريخ الإسلام وَوَفيات المشاهير وَالأعلام (١٥/ ٧٦٣)، الجواهر المضية في طبقات الحنفية (٢/ ١٢١)، تاج التراجم (١/ ١٦١)، الطبقات السنية في تراجم الحنفية (١/ ٢٥٤).
(٢) في (أ): (رح) وهو اختصار لقوله: رحمه الله كما في (ب).
(٣) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٤/ ١٩٢)، بدائع الصنائع (٢/ ٢٢٩).
(٤) النَّجْل: الأصل، النَّسْل.
يُنْظَر: مختار الصحاح (١/ ٣٠٥)، لسان العرب (١١/ ٦٤٦)، تاج العروس (٣٠/ ٤٥٤).
(٥) مَدْحَرَة: ومعناها الطرد والابعاد والدفع.
يُنْظَر: تهذيب اللغة (٤/ ٢٣٥)، لسان العرب (٤/ ٢٧٦)، تاج العروس (١١/ ٢٧٨).
(٦) أي من الأدلة العقلية والشرعية التي زادته تشريفًا وفضلًا.
يُنْظَر: تهذيب اللغة (٤/ ٢٣٥)، لسان العرب (٤/ ٢٧٦)، تاج العروس (١١/ ٢٧٨).
(٧) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٤/ ١٩٢).
(٨) المطرزى: هو ناصر بن عبدالسيد أبى المكارم ابن على، أبو الفتح، برهان الدين الخوارزمي المطرزى: أديب، عالم باللغة، من فقهاء الحنفية، ومات سنة (٦١٠ هـ).
يُنْظَر: الجواهر المضية (٢/ ١٩٠)، وفيات الأعيان (٥/ ٣٦٩)، البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة (١/ ٧٩).
(٩) الفرزدق: هو همام بن غالب بن صعصعة التميمي الدارمي، أبو فراس، الشهير بالفرزدق: شاعر، من النبلاء، من أهل البصرة، عظيم الأثر في اللغة، ومات سنة (١١٠ هـ).
يُنْظَر: الشعر والشعراء (١/ ٤٦٢)، الأعلام (٨/ ٩٣).
(١٠) هذا الشعر للنجاشى الحارثى، وقد ذكره المطرزي للنجاشي وغيره، وليس للفرزدق.
النجاشي الحارثي: وهو قيس بن عمرو بن مالك، من بنى الحارث بن كعب، من كهلان شاعر هجاء مخضرم، اشتهر في الجاهلية والإٍسلام. أصله من نجران انتقل إلى الحجاز، واستقر في الكوفة. وهجا أهلها. ونسب إلى أمه وكانت من الحبشة، ومات سنة (٤٠ هـ).
يُنْظَر: ديوان النجاشي الحارثي (١/ ٣٦)، الشعر والشعراء (١/ ٣١٧ - ٣١٨)، المغرب (١/ ٤٧٣)، معجم ديوان الأدب (٢/ ١٥١)، سمط اللآلي في شرح أمالي القالي (١/ ٨٩٠)، الأعلام (٥/ ٢٠٧).
(١١) الأعشى: هو ميمون بن قيس بن جندل، من بني قيس بن ثعلبة الوائلي، أبو بصير، المعروف بأعشى قيس، ويقال له أعشى بكر بن وائل، والأعشى الكبير: من شعراء الطبقة الأولى في الجاهلية، وأحد أصحاب المعلقات عاش عمرا طويلا، وأدرك الإسلام ولم يسلم. ولقب بالأعشى لضعف بصره. وعمي في أواخر عمره، ومات سنة (٧ هـ) في قرية (منفوحة) باليمامة قرب مدينة (الرياض) وفيها داره، وبها قبره.
يُنْظَر: الشعر والشعراء (١/ ٢٥٠)، الأعلام (٧/ ٣٤١).
(١٢) في الأمالي لأبي علي القالي: (فلا تنكحن جارةً إن سرها … )، والبيت من بحر (الطويل).
سرها: أي النكاح. تأبد: البعد عن النساء.
يُنْظَر: الأمالي لأبي علي القالي (١/ ١٢٩)، نهاية الأرب في فنون الأدب (١٨/ ٧١)، ديوان الأعشى الكبير (١٣٤ - ١٣٧).
(١٣) البيت للأعشى يُنْظَر: معجم ديوان الأدب (٢/ ١٥١)، والأصول في النحو، لابن السراج (٣/ ٢٥٥).