للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ريب أنّ العزيز من جانبه رأى في سجن يوسف فرصة للتخلص منه، فما دام أنه لا يستطيع السيطرة على نزوات زوجته فلا أقل من إبعاد محبوبها عنها ﴿حَتّى حِينٍ﴾ إلى أجل غير محدد، حتى تهدأ الفضيحة، أو حتى ينقطع رجاء المرأة فيه وعشقها له.

﴿وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ قالَ أَحَدُهُما إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ إِنّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ (٣٦)

٣٦ - سجنوه بعد أن بدا لهم ذلك: ﴿وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ﴾ صادف بتقديره تعالى أن دخل السجن معه فتيان من فتيان الملك، الآية (٤٣)، أي من عمّاله، أحدهما كما سوف يأتي بيانه المسؤول عن شرابه، والآخر الخباز، وفي السجن رأى كلّ منهما رؤيا في المنام، ورؤيا كل واحد منهما تناسب حرفته، فخاطبا يوسف قائلين: ﴿قالَ أَحَدُهُما إِنِّي أَرانِي﴾ أي في المنام ﴿أَعْصِرُ خَمْراً﴾ أعصر عنبا ليصبح خمرا، وهي تسمية الشيء بما يؤول إليه ﴿وَقالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي﴾ في المنام ﴿أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ﴾ وهي رؤيا الثاني، ثمّ قال كل واحد منهما ليوسف: ﴿نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ﴾ أخبرنا ما تؤول إليه هذه الرؤى، أي تفسيرها ﴿إِنّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ من الذين يحسنون تفسير الرؤى لما خبروا ذلك منه بعد إقامتهم معا في السجن لمدة من الزمن، وقد يكون المعنى إنّا نراك من المحسنين أي من كثيري الإحسان، وما قالا ذلك إلاّ نتيجة ما شاهدوه من كثرة أعماله الحميدة وحسن سيرته مع السجناء والسجّانين، فتعلّقت به آمالاهما واطمئنّا إليه.

﴿قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلاّ نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما ذلِكُما مِمّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ﴾ (٣٧)

٣٧ - ﴿قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ﴾ تاليا ﴿إِلاّ نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ﴾ بتأويل ما رأيتم في المنام ﴿قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما﴾ الطعام، والمعنى سوف أنبئكم بتأويل ما طلبتم قبل أن تأتيكما وجبة طعامكم التالية، وفي حين أكد يوسف لهم الاستجابة

<<  <  ج: ص:  >  >>