للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العلماء من فرق بين أن يكون الرضع ذكراً أم أنثى فأوجب في بول الأنثى الغسل مثل سائر الأبوال ولم يوجب الغسل في بول الذكر بل اكتفى بالنضح أيْ بالرش وهذا الرأي هو الذي قال به جماعة من العلماء وهو المروي عن (علي ابن أبي طالب) كرم الله وجهه و عن أم المؤمنين (أم سلمة) رضي الله عنها وقال به النخعي والثوري وعطاء والحسن البصري والزهري والأوزاعي ومالك في رواية أخرى عنهما وهو مذهب (أحمد بن حنبل) و (داود بن علي الظاهري) ورجحه من المتأخرين العلامة (الشوكاني) في النيل والوبل وغيرهما من مؤلفاته القيِّمة كما رجحه العلامة (محمد بن صديق بن حسن بن علي القنوجي) مؤلف كتاب الروضة الندية شرح الدرر البهية، وقد احتج القائلون بوجوب الغسل مطلقاً سواءً كان الطفل ذكراً أم أنثى بالأدلة العمومية الدالة على وجوب غسل جميع الأبوال لأنها لم تفرق بين أن يكون البول بول صغير أو بول كبير كما أنَّها لم تفرق بين أن يكون الصغير ذكراً أم أنثى، واحتج القائلون بأنه يكفي الرَّش على بول الطفل الرضيع سواءً كان الطفل ذكراً أم كان أنثى بالأحاديث التي وردت عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- التي تصرح بأن النضح كافٍ لغسل بول الصغير، ومنها حديث (يُنْضَحُ بَوْلُ الْغُلَامِ، وَيُغْسَلُ بَوْلُ الْجَارِيَةِ) (١) وهي وإن كانت في بول الطفل فقد الحقوا بالطفل الطفلة من باب القياس، واحتج أهل القول الثالث بالأدلة الصحيحة الدالة على وجوب غسل بول الطفلة والاكتفاء في بول الطفل بالرش مهما كان رضيعاً كحديث (يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْجَارِيَةِ، وَيُرَشُّ مِنْ بَوْلِ الْغُلَامِ) (٢) أخرجه ابن ماجة وأبي داود والبزار وابن خزيمة من حديث أبي السمح خادم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصححه الحاكم رحمه الله وحديث أمير المؤمنين (علي ابن أبي طالب) كرم الله وجهه مرفوعاً إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال (يُنْضَحُ بَوْلُ الْغُلَامِ، وَيُغْسَلُ بَوْلُ الْجَارِيَةِ) (٣) أخرجه أحمد والترمذي وحسنه وحديث أم الفضل أن (الحسين بن علي) بال في حجر الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقال النبي (إِنَّمَا يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْأُنْثَى، وَيُنْضَحُ مِنْ بَوْلِ الذَّكَر) (٤) أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة وابن خزيمة وابن حبان والطبراني، أمَّا الراجح عندي: فهو القول الأخير الذي يفرق بين أبوال الرضع وبين أبوال الرضيعات لأن النصوص المذكورة صريحة في التفرقة وصحيحة من ناحية الإسناد، وأمَّا ما احتج به أهل القول الأول فهي عمومات مخصصة بالأحاديث الصريحة في الفرق بين الجنسين والقاعدة الأصولية تدل أنه لا تعارض بين العموم والخصوص بل اللازم أن يعمل بالخاص فيما تناوله وبالعام في الباقي، وأمَّا ما احتج به أهل القول الثاني فهو قياس فاسد الاعتبار لكونه مصادماً للنصوص والقاعدة الأصولية تقضي بعدم العمل بأيِّ قياس يصادم النص، فعلى هذا الأساس فالجماعة الذين يفتونك بأنه يكفي الرَّش على بول الطفل بالماء رشاً فقط ولا يجب غسله بالماء كسائر الأبوال قد بنوا في فتواك وفي فتوى غيرك ممن يستفتيهم على المذهب الحنبلي على الأدلة


(١) سنن الترمذي: كتاب الجمعة عن رسول الله: باب ما جاء في ذكر بول الغلام الرضيع. حديث رقم (٥٥٥) بلفظ (عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فِي بَوْلِ الْغُلَامِ الرَّضِيعِ يُنْضَحُ بَوْلُ الْغُلَامِ، وَيُغْسَلُ بَوْلُ الْجَارِيَةِ، قَالَ قَتَادَةُ وَهَذَا مَا لَمْ يَطْعَمَا فَإِذَا طَعِمَا غُسِلَا جَمِيعًا) صححه الألباني في صحيح الترمذي برقم (٦١٠)
أخرجه أبو داود، وابن ماجة في الطهارة وسننها.
معاني الألفاظ: النضح: البل بالماء والرش. … الجارية: الطفلة التي لم تبلغ مرحلة الفطام.
(٢) سنن النسائي: سبق ذكره في هذا الباب من حديث السمح -رضي الله عنه- في سنن النسائي بتصحح الألباني رقم (٣٠٣).
(٣) سنن الترمذي: سبق ذكره في هذا الباب من حديث علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- عند الترمذي بتصحيح الألباني برقم (٦١٠).
(٤) سنن أبي داود: كتاب الطهارة: باب بول الصبي يصيب الثوب. حديث رقم (٣٢٠) بلفظ (عَنْ لُبَابَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ قَالَتْ: كَانَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي حِجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَالَ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: الْبَسْ ثَوْبًا وَأَعْطِنِي إِزَارَكَ حَتَّى أَغْسِلَهُ، قَالَ: إِنَّمَا يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْأُنْثَى، وَيُنْضَحُ مِنْ بَوْلِ الذَّكَرِ) قال عنه الألباني في صحيح سنن أبي داود حسن صحيح برقم (٣٧٥).
أخرجه ابن ماجه في الطهارة وسننها.
معاني الألفاظ: الحجر: الحضن. … نضح: رش.

<<  <  ج: ص:  >  >>