للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من أداء الشهادتين حال استحضاره حتى عفت عنه أمه ورضت عنه بعد أن طلبها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إليه وأمر بجمع الحطب ليحرق ولدها العاق لها فأشفقت على ولدها وخافت عليه من النار فرضت عنه، في حين أن هذين الحديثين من الأحاديث التي لا تصلح للاحتجاج بها لأن في سندها (كذاب) بتصريح من علماء الجرح والتعديل حسبما سبق النقل عنهم في أول جوابي هذا على الاستفتاء عن حديث (لو علم الله كلمة أدنى من أفٍ لنهى عنها أو لحرمها فليعمل العاق ما شاء فمصيره النار وليعمل البار ما شاء فمصيره إلى الجنة)، وهناك أحاديث أخرى في كتاب (الكبائر) احتج بها (الذهبي) في هذا الكتاب وهي غير صحيحة عنده بل موضوعه ذكرها العلامة المعاصر (عبدالفتاح أبو غدة) في تعليقاته المفيدة وتحقيقاته الفريدة على كتاب الأجوبة الفاضلة على الأسئلة العشرة الكاملة للعلامة (اللكنوي الهندي) رحمه الله وهذه من غلطات (الذهبي) التي تغتفر له بجانب فضله، وقد قيل قديماً (السيف قد ينبو) و (الجواد قد يكبو) وقالوا: (لكل جواد كبوة) و (لكل صارم نبوة) و (لكل عالم هفوة).

ومهما يكن من الأمر فإن طاعة الوالدين من الواجبات القطعية المفروضة على كل مسلم ومسلمة بالأدلة الصحيحة الواردة في القرآن العظيم وفي السنة النبوية المطهرة على صاحبها وعلى آله أفضل الصلاة والسلام، وعقوق الوالدين من الكبائر بنص الحديث الصحيح الصريح في الدلالة على عظم ذنب العاق وعلى أن العقوق من أكبر الكبائر وهو الحديث الذي اتفق على إخراجه البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال (أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلَاثًا؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ: أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ، قَالَ: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ) (١)

إلى آخر الحديث وغيره من الأحاديث الدالة على تحريم العقوق المدونة في كتب الحديث النبوي التي ألفها علماء السنة المحمدية صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً،

وبناءً على ذلك فلا حاجة إلى ذكر بعض الأحاديث الموضوعة في بعض كتب الزهد والأخلاق والرقائق وفي بعض الخطب التي يخطب بها بعض الخطباء والوعاظ ما دام وهناك آيات قرآنية وأحاديث نبوية صحيحة تغني عن أحاديث القصاص والوعاظ وفيها ما يكفي ويشفي (وإذا جاء نهر الله أبطل نهر معقل).

والخلاصة: لما جاء في جوابي هذا ينحصر فيما يلي:

أولاً: حديث (لو علم الله شيئاً أدنى من أفٍ لحرّمَه فليعمل العاق ما يشاء فلن يدخل الجنة) غير صحيح.

ثانياً: جاء هذا الكلام مروياً عن الباقر من قوله لا مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.


(١) - صحيح البخاري: كتاب الشهادات: باب ما قيل في شهادة الزور. حديث رقم (٢٤٦٠) بلفظ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلَاثًا؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ: أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ، قَالَ: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ)
أخرجه مسلم في الايمان، والترمذي في الشهادات، وأحمد في أول مسند البصريين.
معاني الألفاظ: الزور: الكذب والباطل.
وفي صحيح البخاري: كتاب الأدب: باب عقوق الوالدين من الكبائر. حديث رقم (٥٥٢٠) بلفظ (حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَبَائِرَ أَوْ سُئِلَ عَنْ الْكَبَائِرِ فَقَالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، فَقَالَ: أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ قَالَ: قَوْلُ الزُّورِ أَوْ قَالَ شَهَادَةُ الزُّورِ قَالَ شُعْبَةُ وَأَكْثَرُ ظَنِّي أَنَّهُ قَالَ شَهَادَةُ الزُّورِ).
أخرجه مسلم في الإيمان، والترمذي في البيوع عن رسول الله، تفسير القرآن عن رسول الله، والنسائي في تحريم الدم، والقسامة، … وأحمد في باقي مسند المكثرين.
أطراف الحديث: الأدب، الديات.

<<  <  ج: ص:  >  >>