والنص النبوي الشريف، فالقرآن يقول {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا}(١) فالسابَّ لهم أو لبعضهم يشتم من رضي الله عنهم ويسب من أثنى عليهم القرآن والسنة كما أنهم يسيئون الظن بمن أخبر النبي أنهم من أهل الجنة وبأن الله قد اطلع عليهم فقال (لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ إِلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ وَجَبَتْ لَكُمْ الْجَنَّةُ أَوْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ) ولقد نص علماء السنة على تحريم سبهم أو سب واحد منهم وهكذا علماء أهل البيت قد نهوا عن ذلك كما نص على ذلك العلامة الكبير الإمام (يحيى بن حمزة) -رضي الله عنه- في رسالته المطبوعة المسماة (الرسالة الوازعة للمعتدين عن سب صحابة سيد المرسلين) وهو من كبارعلماء أهل البيت ومن علماء الزيدية الكبار ومن المشهور عنهم الحفظ والعلم والإجتهاد والإنصاف فما قاله عنهم أرجح من كلام غيره، وهكذا نص على مثل ذلك الإمام الكبير محمد بن علي الشوكاني في رسالته القيمة (إرشاد الغبي إلى مذهب الآل في صحب النبي)
إذا قالت حذام فصدقوها … فإن القول ما قالت حذام
ولقد روى القاضي أحمد بن سعيد الرياني أحد علماء الزيدية الكبار في القرن السادس للهجرة وممن تولى القضاء بصنعاء في عصر الإمام (عبدالله بن حمزة) رحمه الله عن الهادي (يحيى بن الحسين) الذي ينسب إليه المذهب الهادوي الزيدي بأنه (أي الهادي) أمر بجلد من صح عنده أنه يسب الخلفاء الراشدين وبعبارة أخص أمر بجلد من يسب أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، وقد ذكر هذه المسألة العلامة (يحيى بن الحسين بن القاسم) في كتاب المستطاب قال: وقد ذكرها العلامة ابن الوزير في الهداية، هذا ولو كانت هذه القصة المسئول عنها واقعة لما غفل عن ذكرها المؤرخون الذين جمعوا في كتبهم كل شاردة وواردة سواء من كان قد ألف في التاريخ الإسلامي العام المرتبة حوادثة على السنين كابن جرير وابن الأثير وابن كثير والمسعودي واليعقوبي وابن خلدون، أو من ألف في تراجم الصحابة من العلماء الكبار الذين يعدون من أهل التاريخ ومن أهل السنة المهتمين بجمع تراجم الصحابة مرتبة على الحروف كالحافظ (ابن عبدالبر) مؤلف الاستيعاب في تراجم الأصحاب و (ابن الأثير) مؤلف أسد الغابة و (ابن حجر العسقلاني) مؤلف الإصابة في تمييز الصحابة بل لو كانت واقعة لاشتهرت شهرة عظيمة ولتناقلها المؤرخون وغيرهم خلفاً عن سلف لأنها من الحوادث الغريبة التي تتوفر الدواعي إلى نقلها، ومن القصص النادرة التي تلفت نظر المؤلفين إلى تدوينها بل ولكونها من القصص التي تعارض الأحاديث النبوية بل والآيات القرآنية الدالة على أن الصحابة كانوا أشداء على الكفار رحماء بينهم، بل وتعارض أيضا ما يروى عن أبي بكر -رضي الله عنه- من الورع والتقوى والتأني والرصانة وعدم التسرع في الأمور، كما تعارض ما روى عن علي -رضي الله عنه- من القوه والشجاعة وما كان يتحلى به من الأخلاق الفاضلة كما أنه كرم الله وجهه كان من أباة الضيم لا يعرف الذل إليه سبيلا ولا تعرف المحاباة إليه طريقاً، فهؤلاء الذين وضعوا هذه القصة يحسبون أنهم يحسنون إلى أمير المؤمنين (علي) -رضي الله عنه- أو يظنون بعملهم هذا أنهم يحسنون صنعا بما اخترعوه، وأن أمير المؤمنين (علي) -رضي الله عنه- بايع أبا بكر مكرها على هذه الصفة ولم يشعروا أنهم قد أساءوا إليه حيث اخترعوا قصة تدل على أنه كان محابيا أو جباناً في حين أن الواقع بخلافه كيف لا وهو كان ممن لا يخاف في الله لومة لائم، كما كان المثل الأعلى في الشجاعة والإقدام التي أجمع عليها اعداؤه فضلاً عن أحبائه، فيا عجباً من هؤلاء الكذابين المفترين على أصحاب سيد المرسلين بهذه الفرية التي تتنافى مع الدين والعقل