للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والدليل أيضًا (١) في أن الواجب في قتل

العبد (٢) ضمان المال لا النفس أن الضمان يجب للمولى [باعتبار] (٣) ملكه، وملكه في عبده ملك مال، فالضمان الواجب له يكون ضمان المال أيضًا؛ ولأنه يرجع إلى تقويم المقوِّمين أيضًا في الأسواق فنوجب به جنس نقد السوق وهو يختص بضمان المال.

وأما في الدية التي بمقابلة النفس إنما يجب الإبل ونحوها ولا مدخل للإبل هاهنا، ولأن قيمة العبد تختلف باختلاف أوصاف المتلف في الحسن والجمال وسلامة الأطراف، وتنتقص قيمته بذهاب أطرافه كما في المال، فلو كانت قيمته بمقابلة النفس لما انتقصت قيمته بنقصان أطرافه كما لا تنتقص الدية بنقصان أطراف الحر.

ولأنه لو قطع يد عبد والعبد يساوي ثلاثين ألفًا ضمن خمسة عشر ألفًا نصف القيمة بالغة ما بلغت زائدة على الدية، فلما وجب هكذا في نقصان الطرف ينبغي ألّا ينتقص عنه بإتلاف الكل وإلا يلزم القبح؛ وهو أن يجب بقطع طرفه خمسة عشر ألفًا وبقتله عشرة آلاف إلا عشرة.

ولأن الراهن إذا قتل المرهون يضمن قيمته لحق المرتهن، ولا حق للمرتهن إلا في المالية؛ ولهذا لا يجب عليه القصاص [بحال لأن القصاص] (٤) بدل عن النفسية؛ فلو كانت القيمة كذلك لما وجبت على الراهن إذ لا وجوب عليه إلا المال.

قلتُ: أما الجواب عن الأثر فنعارضه بقول ابن مسعود (٥) ط: «لا يبلغ بقيمة العبد دية الحر وينقص منه عشرة دراهم» (٦)؛ وهذا كالمروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن المقادير لا تعرف بالقياس وإنما طريق معرفتها التوقيف والسماع من صاحب الوحي (٧)، فكان في هذا دليل الرفع والسماع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن فيه ذكر المقدار وهو مما لا يهتدي إليه العقل.


(١) في (أ): أيضًا له؛ وما أثبت من (ب) و (ج) قريب من معناه.
(٢) في (أ): العمد؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.
(٣) ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.
(٤) ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.
(٥) هذا الصحابي كان من السابقين إلى الإسلام، أسلم قديمًا، وهاجر الهجرتين، وشهد بدرًا والمشاهد كلها، ولازم النبي غ، وكان صاحب نعليه وطهوره وسواكه ووساده وسره، وحدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -بالكثير، وبعد الهجرة (آخى النبي - صلى الله عليه وسلم -بينه وبين سعد بن معاذ)، إنه الإمام الحبر فقيه الأمة عبد الله بن مسعود بن غافل الهذلي المكي المهاجري أبو عبد الرحمن، حليف بني زهرة، كان- رضي الله عنه -رجلًا نحيفًا قصيرًا، شديد الأدمة، قال عنه الذهبي: كان معدودًا في أذكياء العلماء. ينظر: سير أعلام النبلاء (١/ ٤٩٦ - ٤٩٧)، تاريخ البخاري الصغير (١/ ٨٥).
(٦) أخرجه عبد الرزاق في (مصنفه) العقول، باب دية المملوك (١٠/ ٩ رقم: ١٨١٧٢)، وابن أبي شيبة في (مصنفه) كتاب الديات باب من قال: لا يبلغ به دية الحر، (٥/ ٣٨٧ رقم: ٢٧٢١٥)، ونصه: «لا يبلغ بدية العبد دية الحر في الخطأ»، قال الزيلعي في (نصب الراية) (٤/ ٣٨٩): روي عن ابن عباس أنه ينقص في العبد عشرة إذا بلغت قيمته عشرة آلاف، قلت: غريب، وقال ابن حجر في (الدراية في أحاديث الهداية) (٢/ ٢٨٣، ٢٨٤): لم أجده، وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة في مصنفيهما عن النخعي والشعبي قالا: لا يبلغ بدية العبد دية الحر، انتهى.
(٧) جاء في أصول السرخسي: ولا خلاف بين أصحابنا المتقدمين والمتأخرين أن قول الصحابة حجة فيما لا مدخل للقياس في معرفة الحكم فيه وذلك نحو المقادير التي لا تعرف بالرأي) أصول السرخسي (٢/ ١٠٨ - ١١٠).
وقال أبو الحسن الكرخي: فلما لم يكن لنا سبيل لإثبات هذه المقادير من طريق الاجتهاد والمقاييس، وكان طريقه التوقيف أو الاتفاق، ثم وجدنا الصحابي قد قطع بذلك وأثبته، دلَّ ذلك من أمره على أنه قاله توقيفًا؛ لأنه لا يجوز أن يظن بهم أنهم قالوه تخمينًا وتظننًا، فصار ما كان هذا وصفه من المقادير إنما يلزم قبول قول الصحابي الواحد فيه ويجب اتباعه من حيث كان توقيفًا". الفصول في الأصول (٣/ ٣٦٤).