للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

«وإن كان بعد مضي المدة والمدَّعى هو الآجر، فهو دعوى الدَّين» (١)، والحكم في الدين هو أن يلزم على المدعى عليه ما اتفق عليه الشَّاهدان، ولا يلزم ما اختلفا فيه، وإنَّما قيد بقوله: «والمدَّعى هو الآجر»؛ لأنَّه لو ادَّعى المستأجر عقد الإجارة بعد انقضاء مدة الإجارة كان ذلك منه اعترافاً بمال الإجارة فيجب عليه ما اعترف/، فلا حاجة فيه حينئذ إلى اتفاق الشَّاهدين أو اختلافهما (٢).

وقوله: «فأمَّا النكاح؛ فإنَّه يجوز بألف استحساناً» (٣).

وفي الفوائد الظهيرية: وفي النكاح إن كان المدَّعى هو الزوج فالجواب فيه كالجواب في دعوى البيع والشراء؛ لأنَّ الحاجة هنا إلى إثبات العقد؛ لأنَّ ملك النكاح لا يثبت عليهما بدعوى الزوج، فكانت الحاجة إلى إثبات العقد.

وإن كان المدَّعى هو المرأة [فالجواب] (٤) فيه عند أبي حنيفة -رضي الله عنه- كالجواب في دعوى الدَّين، وعندهما الجواب فيه كالجواب في دعوى البيع.

وجه قولهما أنَّ الحاجة هنا إلى إثبات العقد لامتناع العقد بإقرار المرأة وحدها، والنكاح بألف غير النكاح بألف وخمسمائة، كالبيع والشراء حذو القذة بالقذة.

ولأبي حنيفة - رحمه الله - أنَّ التسمية في النكاح كما تصح عند العقد تصح بعده، فإنَّه لو تزوجها ولم يسمِّ لها مهراً ثم سمَّى لها مهراً بعد ذلك صحت التسمية، [والتسمية] (٥) في الصحة لا تفتقر إلى إنشاء العقد، إنما تفتقر إلى قيام العقد (٦).

وقيام العقد تارةً يكون حالة الابتداء، وطوراً يكون حالة البقاء، والبيِّنة على العقد لا تقبل حالة البقاء؛ لأنَّ البقاء ثابت لعدم الدليل المُزِيل، والشَّهادة على ما لا يعرف لعدم الدليل المزيل لم تقبل، كالشَّهادة على النفي، فإذا لم يكن إثبات البقاء بالبيِّنة لا يشترط لقبول البيِّنة على التسمية قبول البيِّنة على بقاء العقد، وابتداء العقد ليس بشرط لصحة التسمية، فلم يكن قبول البيِّنة شرطاً لا ابتداء ولا بقاء لصحة القضاء بالتسمية (٧).

وإن كان كذلك كانت البيِّنة القائمة على التَّسمية والبيِّنة القائمة على المنفرد سواءً، بخلاف البيع؛ لأنَّ البيِّنة على التَّسمية، فإذا امتنع القبول في حق العقد امتنع القبول في حقِّ التسمية، بخلاف ما إذا كان المدَّعى هو الزوج؛ لأنَّ الحاجة فيه إلى إثبات ملك النكاح، وأنَّه لا يثبت بإقرار الزوج إنما يثبت متصلاً بابتداء العقد، وقد تعذر إثبات العقد ابتداءً بالبيِّنة؛ لأنَّ العقد بألف غير العقد بألف وخمسمائة، وفيما إذا كانت المرأة هي المدَّعىة ملك النِّكاح يثبت عليها النكاح بإقرارها؛ لأنَّها هي محل لإثبات ملك النكاح (٨).


(١) الهداية (٣/ ١٢٧).
(٢) ينظر: البناية شرح الهداية (٩/ ١٧٨).
(٣) الهداية (٣/ ١٢٧).
(٤) في «ج»: [والجواب].
(٥) في «س»: [فالتسمية].
(٦) ينظر: المبسوط (٥/ ٧٠).
(٧) ينظر: المبسوط (٥/ ٧٠).
(٨) ينظر: تبيين الحقائق (٤/ ٢٣٦).