للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولهذا قال مشايخنا: سبيل المزكِّي إذا عرف الشَّاهد فاسقاً أن لا يصرح بفسقه؛ ولكن يقول: لا أعلم بحاله، ولا أدري أهو عدل أم لا.

فإن قيل: أليس رُوي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- (١) أنَّه قال: «اذكروا الفاجر بما فيه» (٢).

قلنا: هو محمول على ما إذا كان ضرره يتعدى إلى غيره، ولا يمكن دفع الضرر عنه إلا بعد الإعلام (٣).

فإن قيل: في إظهار الفاحشة هنا ضرورة، وهي ضرورة دفع الخصومة عن المدَّعى، فصار كما لو أقام البيِّنة على جرح يدخل تحت حكم الحاكم، قيل: لا ضرورة؛ لأنَّ الخصومة تندفع بأنْ يقول ذلك للمدعي أو القاضي سراً، أو لا يظهر ذلك في مجلس الحكم، بخلاف ما إذا شهدوا أنَّهم زنوا ووصفوا، أو شربوا الخمر، أو سرقوا مني، لأنَّ في إظهار الفاحشة ضرورة، وهي ضرورة إقامة الحد على الشُّهود، وبخلاف ما إذا شهدوا أنَّهم شركاء في المشهود به؛ لأنَّه ليس فيه إظهار الفاحشة فيثبت المشهود به وصار، الثابت بالبيِّنة كالثابت عياناً (٤).

وبخلاف ما إذا شهدوا أنَّهم محدودون في القذف؛ لأنَّه ليس فيه إظهار الفاحشة من جهة الشَّاهد، وإنَّما حكي إظهار الفاحشة من غيره، وهو شهود القذف، أو القاضي، والحاكي لإظهار الفاحشة من غيره لا يكون [مظهراً] (٥) للفاحشة؛ فلم يصر فاسقاً، فيثبت المشهود به، بخلاف ما إذا شهدوا على إقرار المدَّعى أنَّهم فسقة، أو ما شاكله؛ لأنَّهم ما شهدوا بإظهار الفاحشة، وإنَّما حكوا إظهار الفاحشة من غيره، وهو المدَّعى فيثبت المشهود به، وبخلاف ما إذا أقام المدَّعَى عليه البيِّنة أني صالحتهم على كذا، ودفعت إليهم حيث قبلتُ البيِّنة، وإن كان فيه إظهار الفاحشة؛ لأن فيه ضرورة ليصل إلى المال (٦).

والثالث: أنَّ القاضي إنما يقبل الشَّهادة على ما يدخل تحت إلزامه؛ لأن قبول الشَّهادة للقضاء، والقضاء إلزام، وإلزام الجرح المفرد ليس في وسع القاضي؛ لأن المقضِي عليه وهو الشَّاهد يدفع الجرح المفرد، ثم إذا أقام المدَّعَى عليه بينةً أن الشُّهود محدودون في قذف، فالقاضي يسأل الشُّهود من حدهم؛ لأنَّ إقامة حد القذف انحسر من السلطان، أو من نائبه يبطل شهادته، وإن حصل من واحد من الرعايا لا يبطل شهادته إذا لم يكن بإذن الإمام، فلا بد من السؤال عن ذلك.


(١) في «س»: [عليه السلام].
(٢) سبق تخريجه، ص (٨١).
(٣) ينظر: البحر الرائق (٧/ ١٠١).
(٤) ينظر: المحيط البرهاني (٨/ ١٠٨).
(٥) في «س»: [نظيراً].
(٦) ينظر: المحيط البرهاني (٨/ ١٠٨ - ١٠٩).