للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

اعلم أن صورة الاستصناع هي ما ذكره صدر الإسلام -رحمه الله- في الجامع الصغير (١) وقال: صورته أن يجيء إنسان إلى آخر فيقول: احرز لي خفًا صفته (٢) كذا، وقدره كذا بكذا درهمًا، وسلم (٣) له جميع الدراهم، (أو لا نسلم) (٤) أو يسلم بعضه، وإنما يجوز الاستصناع فيما للناس فيه تعامل؛ للإجماع الثابت بالتعامل؛ لأن الجواز ثابت بالإجماع، وإنما الاختلاف في أنه بيع أو عدة.

فإن قيل: يشكل على الاستبدال على الجواز لتعامل الناس مسألة المزارعة على قول أبي حنيفة -رحمه الله-، فإن (المزارعة والمعاملة) (٥) فاسدتان عنده، وإن كان للناس فيهما تعامل.

قلنا: لا كذلك، فإن الخلاف فيهما كان ثابتًا في الصدر الأول، (وهذا كان) (٦) على الاتفاق، كذا ذكره الإمام قاضي خان (٧).

وفي القياس لا يجوز؛ لأن المستصنع (٨) فيه مبيع، وهو معدوم، وبيع المعدوم لا يجوز؛ لنهي النبي -عليه السلام- عن بيع ما ليس عند الإنسان (٩)، هذا في حكم بيع العين، فلو كان موجودًا غير مملوك للعاقد لم يجز بيعه، فإذا كان معدومًا أولى.

ولكنا تركنا القياس؛ لتعامل الناس في ذلك، فإنهم (١٠) تعاملوه من لدن رسول الله -عليه السلام- إلى يومنا هذا من غير نكير [منكر] (١١)، وتعامل الناس من غير نكير أصل من الأصول كبير؛ لقوله -عليه السلام-: «ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن» (١٢)، وقال: «لا تجتمع أمتي على الضلالة» (١٣)، وهو نظير دخول الحمام بأجر جائز؛ لتعامل الناس، وإن كان مقدار المكث، وما يصب من الماء مجهولاً.


(١) درر الحكام شرح غرر الأحكام (٢/ ١٩٨).
(٢) في (ت): صورته.
(٣) في (ت): يسلم.
(٤) في (ت): ولا يسلم.
(٥) في (ت): المعاملة والمزارعة.
(٦) في (ت): وكان هذا.
(٧) فتح القدير (٧/ ١١٥).
(٨) في (ت): الاستصناع.
(٩) أخرجه أحمد في «مسنده» (٣/ ٤٠٢)، وأبو داود في كتاب البيوع- باب في الرجل يبيع ما ليس عنده (٣٥٠٣)، والترمذي في كتاب البيوع- باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك (١٢٣٢)، والنسائي في كتاب البيوع- باب بيع ما ليس عند البائع (٤٦١٣)، وابن ماجه في كتاب التجارات- باب النهي عن بيع ما ليس عندك (٢١٨٧)، وصححه الألباني في «صحيح الجامع» (٧٢٠٦).
(١٠) في (ت): لأنهم.
(١١) ما بين المعقوفين زيادة من (ت).
(١٢) أخرجه أحمد (٣٦٠٠)، قال الألباني في الضعيفة ح ٥٣٣: لا أصل له مرفوعا، وإنما ورد موقوفا على ابن مسعود قال: "إن الله نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد .. " إلخ.
(١٣) أخرجه الترمذي في أبواب الفتن - باب ما جاء في لزوم الجماعة (٢١٦٧)، وصححه الألباني.