للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقصّته ما ذكر في المبسوط عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: أَنا لقيت المفقود فحدَّثني حديثَه قال: أَكلتُحريرًا (١) في أهلي ثم خرجتُ، فأخذني نفَر مِن الجنّ، فمكثتُ فيهم ثم بدا لهم في عِتقي فأَعتقوني، ثم أَتوا بي قريبًا مِن المدينة، فقالوا: أتعرِف النَّخيل، فقلت: نَعَم. فخلَّوا عنِّي فجئتُ، فإذا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قد أبان امرأتي بعد أربعِ سنين، وحاضَت وانقضَت عدتُّها وتزوّجَتْ، فخيَّرني عمر بين أنْ يردها عليَّ (٢) وبين المهْر.

وأهل الحديث يروُون في هذا الحديث أنَّ عمر همَّ بتأديبِه حين رآه وجعل يقول: يغيب أحدُكم عَن زوجته هذه المدَّة الطويلة، ولا يبعث بخبره! فقال: لا تعجَل عليَّ يا أمير المؤمنين، وَذَكر له قصّتَه. وفي هذا الحديث دليلٌ لمذهب أهل السنة والجماعة في أنَّ الجن قد يتسلطون على بني آدم (٣)، وأهل الزَّيغ ينكرون ذلك على اختلاف بينَهم، فمنهم من يقول المستنكَر دخولهم في الآدمي لأنّ اجتماع رُوحَين في شخص واحد لا يتحقَّق، وقد يُتصوَّر تسلُّطهم على الآدمي مِن غير أنْ يدخلوا فيه. ومنهم مَن قال: هُم أجسام لطيفة فلا يُتصوَّر أن يحملوا جسمًا كثيفًا مِن موضِع إلى موضع. ولكنَّا نأخذ بما ورد به الآثار قال النَّبي -عليه الصلاة والسلام-: "إنَّ الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم" (٤).


(١) في (ب) "خزيرا".
خَزِيرًا بِالزَّايِ وَالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ: مَرَقَةٌ تُطْبَخُ بِمَا يُصَفَّى مِنْ بَلَالَةِ النُّخَالَةِ. تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٣/ ٣١١).
وقيل: الخزيرة مرقة، وهي أن تصفى بلالة النخالة ثم تطبخ، وقيل: الخزيرة والخزير الحسا من الدسم والدقيق. لسان العرب (٤/ ٢٣٧).
(٢) ساقط من (ب).
(٣) ممن أنكر دخول الجني في الإنسي طائفة من المعتزلة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "دخول الجني في بدن الإنسان ثابت باتفاق أئمة أهل السنة والجماعة". (مجموع الفتاوى ٢٤/ ٢٧٦، وانظر أيضاً ٢٤/ ٢٧٧).
(٤) أخرجه الإمام أحمد في المسند، مسند المكثرين من الصحابة، برقم (١٢٥٩٢) ٢٠/ ٤٦ - ٤٧.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مَعَ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ، فَمَرَّ رَجُلٌ، فَقَالَ: "يَا فُلَانُ هَذِهِ امْرَأَتِي"، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ كُنْتُ أَظُنُّ بِهِ فَإِنِّي لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ بِكَ. قَالَ: "إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ".
قال الهيثم: رجاله رجال الصحيح. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (١٠/ ٢٢٢).