للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال الشافعي: إن كان دون القلتين كان قليلاً يتنجس بوقوع النجاسة تغير أو لم يتغير وإن كان قلتين فصاعدًا كان كثيرًا (١).

وقال علماؤنا -رحمهم الله (٢) -: الماء إذا كان بحيث يخلص بعضه إلى بعض أي يصل كان قليلاً، وإن كان لا يخلص، كان كثيرًا، لا ينجس وقوع النجاسة فيه إلا أن يتغير لونه أو طعمه أو ريحه كالماء الجاري لكن اختلفوا بعد هذا أنه بأي سبب يعرف خلوص النجاسة إلى الجانب الآخر فقد اتفقت الروايات عن علمائنا الثلاثة أن الخلوص يعتبر بالتحريك فإنه إذا حرك طرفًا منه إن لم يتحرك الجانب الآخر فهو مما لا يخلص بعضه إلى بعض، [وإن تحرك فهو مما يخلص بعضه إلى بعض] (٣) إلا أنهم اختلفوا في سبب التحريك، فقد روى أبويوسف عن أبي حنيفة أنه يعتبر التحريك بالاغتسال إن اغتسل إنسان في جانب منه اغتسالاً وسطًا إن لم يتحرك الجانب الآخر فهو مما لا يخلص بعضه إلى بعض وإن تحرك فهو مما يخلص، وبه أخذ أبو يوسف (٤)، وهذا لأن التحريك بالاغتسال يكون أحوط من التحريك بالوضوء؛ لأن التحريك بالاغتسال أشد من التحريك بالتوضي فيه، ولأن حاجة الإنسان إلى الغسل في المياه الجارية والحياض أكثر من حاجته إلى الوضوء فإن الوضوء يكون في البيوت عادةً، وقد روى أبو يوسف عن أبي حنيفة في رواية [أخرى] (٥) أنه يعتبر التحريك باليد لا غير؛ لأن التحريك يكون بالاغتسال وبالتوضي وبغسل اليد إلا أن التحريك بغسل اليد أخف فكان الاعتبار به أولى توسعةً على الناس (٦).

وروي عن محمد نفسه أنه قال: يعتبر التحريك بالوضوء دون الاغتسال؛ لأن مبنى الماء في حكم النجاسة على الخفة فإن القياس أن يتنجس وإن كثر الماء إلا أنه أُسقط حكم النجاسة عن بعض المياه تخفيفًا فاعتبر التحريك الوسط وهو التحريك بالوضوء؛ لأنه بين الاغتسال وغسل اليد [وهو الأصح] (٧) فعلم بهذا أن الروايات اتفقت عن أصحابنا المتقدمين -رحمهم الله- يعتبر الخلوص بالتحريك (٨) لكن اختلفوا في السبب الذي يقع به التحريك.

والمتأخرون من أصحابنا اعتبروا الخلوص بشيء آخر؛ فقد روي عن محمد بن سلام أنه اعتبر الخلوص بالكدرة فقال: إن كان الماء بحال لو اغتسل فيه وتكدر الجانب الذي اغتسل فيه بسبب الاغتسال إن وصلت الكدرة إلى الجانب الآخر فهو مما يخلص بعضه إلى بعض، وإن لم يصل فهو مما لا يخلص.


(١) سبق الكلام عنها في (ص ٢٢٣).
(٢) لعله يقصد علماء الحنفية في بلاد ما وراء النهر.
(٣) ساقط من (ب).
(٤) الهداية (١/ ٤٤).
(٥) ساقط من (أ) والتثبيت من (ب).
(٦) الهداية (١/ ٤٤).
(٧) ساقط من (أ) والتثبيت من (ب).
(٨) الهداية (١/ ٤٤).