للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وذكر في «الإيضاح» والعدة بالحيض أو بما أقيم مقامه من الأشهر لا تجب إلا بالدخول، أو ما يقوم مقامه من الخلوة؛ لقوله تعالى - في غير المدخول بها -: {فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} (١)، ثم قال: وضرب آخر من الشهور يجب على المتوفى عنها زوجها إذا كانت حاملاً؛ لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} (٢) الآية، ويستوي في ذلك الدخول وعدم الدخول؛ لأنّ الله تعالى أوجب بالوفاء مطلقاً، ووقعت الفرقة بينهما بغير طلاق، مثل الفرقة بخيار العتاقة وعدم الكفاءة وخيار البلوغ وملك أحد الزوجين صاحبه، والفرقة في النكاح الفاسد (٣).

وَهَذَا يَتَحَقَّقُ فِيهَا، أي التفرق عن براءة الرحم يتحقّق في الفرقة بغير طلاق.

قوله -رحمه الله-: هُوَ مِنْ الْأَضْدَادِ، دليل على أنّه حقيقة فيها، فكان فيه قطع [توهم] (٤) أنّه مجاز في واحد منهما؛ لما أنّ الطّريق في المجاز هو أن يكون في المجاز معنى تناسب معنى الحقيقة، وبين الطهر والحيض مضادة لا مناسبة بينهما، فكيف يتحقق المجاز بين الضدين؟! فصار كالصريم يُطلق على الليل والنهار (٥).

إمَّا عَمَلًا بِلَفْظِ الْجَمْعِ، أراد به لفظ الإقراء وهو جمع قُرْءٍ بالفتح والضم، كذا في «المغرب» (٦)، والجمع الصحيح هو الثلاثة.

وذلك إنّما يتحقّق عند الحمل على الحيض لا على الطُهر؛ لما أنّ الطّلاق يوقع في طهر وهو السنة، ثم هو محسوب عن الإقراء عند من يقول بالإطهار، فيكون حينئذٍ مدّة عدّتها قرئين وبعض الثالث فلم يكن ثلاثاً كوامل، وهذا يستقيم في جمع غير مقرون بالعدد، كقوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} (٧).

فأمّا في جمع مقرون بالعدد فلابدّ من الكوامل، بخلاف ما لو أريد بالإقراء الحيض، فإنّه يكمل ثلاثاً أو لأنّه؛ أي: لأنّ الحيض معرّف لبراءة الرحم، والتعريف لبراءتها إنّما يحصل بالحيض لا بالطهر؛ لما أنّ الحمل طهر ممتد فيجتمعان، فلا يحصل التعريف بأنّها حامل أو حائل فيلتحق بياناته أي يلتحق خبر الواحد بمجمل الكتاب للبيان بذلك الخبر الواحد، لما هو المراد من الكتاب، كما ألحق ما روي عن النبي -عليه السلام- «مسح على ناصيته» (٨) بياناً لمجمل قوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} (٩) في حق المقدار.


(١) سورة الأحزاب (الآية/ ٤٩).
(٢) سورة البقرة (الآية/ ٢٣٤).
(٣) ينظر: المبسوط للسرخسي (٥/ ٢٨)
(٤) في (ب): لوهم.
(٥) لسان العرب (١٢/ ٣٣٦).
(٦) المغرب في ترتيب المعرب (ص: ٣٧٦).
(٧) سورة البقرة (الآية/ ١٩٧).
(٨) أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الطهارة، باب ما جاء في المسح على العمامة برقم (١٠٠)، وقال: "وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ الْمَسْحَ عَلَى النَّاصِيَةِ وَالعِمَامَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ بَعْضُهُمْ النَّاصِيَةَ"، وابن حبان في صحيحه، كتاب الطهارة، باب ذكر الإباحة للمرء أن يمسح على ناصيته وعمامته جميعا في وضوئه، برقم (١٣٤٢)، وقال الزيلعي في تخريج أحاديث الكشاف (١/ ٣٨٤): "أخرجه مسلم في صحيحه عن عروة بن المغيرة بن شعبة عن المغيرة ابن شعبة".
(٩) سورة المائدة (الآية/ ٦).