للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فإن قلت: يشكل على هذا الأصل ما إذا قال الرجل لآخر بعتني هذه الجارية بكذا وقال المولى زوجتها منك لا يحلّ له وطئها لاختلاف السّبب مع أنّ المقصود قد حصل لأنّ كلّ واحد من السّببين أعني الشرى والتزوّج يثبت حل الوطئ ذكره في جنايات هذا الكتاب في فصل من قتل عبدًا خطأ.

قلت: هناك اختلف السّبب والحكم معًا أمّا السّبب فظاهر لما أن الشرى غير التزوّج.

وأمّا الحكم فإن ملك اليمين يغاير ملك النكاح حكمًا لأنّ النكاح يثبت الحلّ مقصودًا والبيع لا يثبته ولو أثبته لا يكون مقصودًا وهما لا يجتمعان فعند الاختلاف لم يثبت واحد منهما يقينًا فصار كأنّهما لم يثبتا أصلاً للتّدافع في الحكم فلم يثبت الحلّ لما أن الموضع موضع الاحتياط.

وأما فيما نحن بصدده فحكم السّببين متّحد؛ لأنّ كلاً منهما يثبت الملك مقصودًا وفي كل منهما وصول ما يستحقّه الزّوج إليه وقد وصل فإنّ حكم الهبة ههنا في حق عدم الرجوع مثل حكم الردّ لنصف المفروض بحكم الطّلاق اعتباراً للبعض بالكلّ لأنه لو لم يقبض شيئاً حتّى وهبت الكلّ للزّوج [ثم] (١) طلّقها قبل الدّخول لا يرجع عليها بشيء ولو قبضت الكلّ [ثم] (٢) ذهبت للزّوج ثمّ طلّقها قبل الدّخول يرجع عليها بنصف ما قبضت ولأنّ هبة البعض حط أي البعض الذي لم يقبضه ثم حطّ بعض البدل يلتحق بأصل العقد فيصير كأنّه تزوجها في الابتداء على الخمس مائة المقبوضة ولأَبِي حَنِيفَةَ -رحمه الله- أنّ مقصود الزّوج قد حصل وهو سلامة نصف الصّداق بلا عوض فلا يستوجب الرجوع عند الطّلاق كمن له على آخر دين مؤجّل فاستعجل قبل حلول الأجل والحط لا يلتحق بأصل العقد في النكاح.

ألا ترى أنّ الزيادة فيه لا تلتحق والاستدلال به هو أنّ الحط كالزّيادة في الالتحاق بأصل العقد فإنّ الزّيادة اينما التحقت بأصل العقد التحق الحطّ به أيضاً وههنا لم تلتحق الزّيادة بأصل العقد فكذا الحط وألا يرى أنّها لو حطت عن الزّوج إلا خمسة لم يكمل لها عشرة اعتباراً بالابتداء ولو التحق الحط بأصل العقد يكمل ولو حطت النّصف ولم تهب الباقي حتّى طلّقها لم يتنصف الباقي اعتباراً بالابتداء فعلم بهذا أنّ الحط غير ملحق بأصل العقد في النكاح.

ثم المعنى في عدم الالتحاق في النكاح والالتحاق في غيره بأصل العقد هو أنّ النكاح ليس بعقد مغابنة ولا مبادلة مال بمال فلا تقع الحاجة إلى دفع الغبن فلا يلتحق بأصله.


(١) زيادة من (ب).
(٢) زيادة من (ب).