للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وذكر في الصّحاح (١) يقال شغر الكلب إذا رفع إحدى رجليه ليبول وسمّى به هذا العقد لأنّهما بهذا الشّرط كأنهما رفعا المهر وأخليا البضع عنه لأنّه جعل نصف البضع صداق والنّصف منكوحة والاشتراك في هذا الباب.

وذلك لأنّه لما جعل ابنته منكوحة الآخر وصداقاً لابنته اقتضى ذلك انقسام منافع بضعها عليهما نصفين فيصير النّصف منها للزّوج بحكم النكاح والنّصف لبيته بحكم المهر فيلزم الاشتراك في منافع البضع وهذا ممّا لا وجه له.

قوله: -رحمه الله- وَلَا شَرِكَةَ بِدُونِ الِاسْتِحْقَاقِ (٢) جواب عن حرف الخصم بيانه أنّ البضع لما لم يكن له صلاحية كونه صداقاً لم يتحقّق الاشتراك لأنّ منافع بضع المرأة لا تصلح أن تكون مملوكة لامرأة أخرى فبقي هذا شرطًا فاسدًا والنكاح لا يبطل بالشروط الفاسدة.

بخلاف ما لو زوجت المرأة نفسها من رجلين حيث لا يصحّ لصلاحيّة الاشتراك لأنها تصح منكوحة لكلّ واحد منهما فيتحقّق بمعنى الاشتراك واستدلاله بالنّهي بقوله -عليه السلام-: «وَلَا شِغَارَ فِي الْإِسْلَامِ» (٣) باطل؛ لأنّ النّهي للخلو عن المهر فكان المراد به أنّه لا تخلوا المرأة بالنكاح عن المهر وبه يقول كذا في الْمَبْسُوطِ (٤)، وخدمة العبد ابتغاء بالمال تقديراً إن لم يكن تحقيقاً؛ لأنّه لمى سمى الخدمة مهراً يجب تسليم نفسه للخدمة ونفسه مال فصار كأن العبد مهرها في حق وجوب التّسليم إليها للخدمة فيمتنع وجوب مهر المثل بخلاف الحرّ فإنّه ليس فيه تسليم مال ولا الانتفاع بالمال فلا يجب.

كذا في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (٥) لصدر الإسلام -رحمه الله- وروى ابن سماعة عن مُحَمَّد-رحمهما الله- أنّه إذا تزوّجها على أن يرعى غنمها سنة يجوز استدلالاً بقصّة موسى مع شعيب عليهما السّلام فمن أصحابنا من فرّق بينهما فقال هي مأمورة بأن تعظمه وتراعي حقّه وذلك التّعظيم ينعدم باستخدامها إيّاه فلهذا لم يجز أن تكون خدمتها صداقاً وذلك لا يوجد في عمل الرّعي.

ألا ترى أنّ الابن لا يستأجر أباه للخدمة ويستأجره لعمل آخر والأصحّ أن في الفصلين أي الرعى والخدمة روايتين في إحدى الروايتين لا تصحّ التّسمية أي تسمية منفعة الحر لأنّ المنفعة ليست بمال واشتراطها من حرّ لا يتضمن بتسليم المال إليها وفي الرّواية الأخرى تصحّ التسمية لأنّ المنفعة تأخذ حكم الماليّة عند العقد ولهذا لا يثبت الحيوان دينًا في الذمّة بمقابلتها فقد صحّت التّسمية ثم تعذّر تسليم المسمّى لكونها ممنوعة من استخدام الزّوج شرعًا فيكون لها قيمة المسمّى كما لو تزوّجها على عبد فاستحق وأبو حنيفة -رحمه الله- يقول امتنع استحقاق المسمّى لكونه غير ماله في نفسه فيسقط اعتبار تسميته ويكون لها مهر المثل كما لو تزوّجها على خمر فكان منفعة البدن هنا بمنزلة منفعةالبضع في نكاح الشّغار وهناك يجب مهر المثل فكذا ههنا كذا ذكره شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ -رحمه الله- في باب [نكاح] (٦) الشّغار من نكاح الْمَبْسُوطِ (٧)، والمحبوبي في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لما فيه من قلب الموضوع وهو أن عقد النكاح يقتضي أن تكون المرأة خادمة والزّوج مخدومًا لقوله -عليه السلام-: «النِّكَاحُ رِقٌّ» (٨)، وفي جعل خدمة الزّوج إيّاها مهراً لها يكون الرجل خادمًا والمرأة مخدومة فكان على خلاف موضوع عقد النكاح فلا يجوز على أنّه ممنوع في رواية أي في رعي الغنم رواية أخرى على أنه لا يجوز مهراً على ما ذكرنا من رواية الْمَبْسُوطِ (٩) على الأصحّ وعلى قول مُحَمَّد -رحمه الله- تجب قيمة الخدمة أي قيمة خدمة الحرّ الذي تزوّجها على خدمته سنة وهذا لأن تقومه أي تقوم ما سمى وهو المنفعة لضرورة أي لاحتياج النّاس إليه في موضع وهو عقد الإجارة فلا يكون له قيمة فيما وراه فصار بمنزلة تسمية شيء لا قيمة له كالخمر فيجب مهر المثل فإن تزوّجها على ألف إلى آخره فالمسألة على وجهين:


(١) يُنْظَر: الصحاح (٢/ ٧٠٠).
(٢) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٢/ ٤٩٥).
(٣) رواه مسلم كتاب النكاح باب تحريم نكاح الشغال وبطلانه (٢/ ١٠٣٥) برقم (١٤١٥) وغيره.
(٤) يُنْظَر: الْمَبْسُوط (٥/ ١٠٥).
(٥) يُنْظَر: الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (١/ ١٨٣).
(٦) ساقط من (ب).
(٧) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٥/ ١٠٥).
(٨) رواه سعيد بن منصور (١/ ١٩١)، رُوِيَ ذَلِكَ مَرْفُوعًا وَالْمَوْقُوفُ أَصَحُّ وَاللهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ: البيهقي (٧/ ١٣٢).
(٩) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٥/ ٢٣).