للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم أراد أن يتزوج ابنتها عنده يجوز.

وكذلك لو تزوّج امرأة وقبّلها بشهوة ثم ماتت عنده يجوز له أن يتزوّج ابنتها بناء على أصله أن حرمة المصاهرة تثبت بما يؤثر في إثبات النّسب والعدة وليس للتقبيل والمسّ عن شهوة تأثير في إثبات النّسب والعدة.

فكذلك في إثبات الحرمة فيقام مقامه في موضع الاحتياط أي فيقام المس أو النظر مقام الوطء في إثبات حرمة المصاهرة لأنّ حرمة الفرج ممّا يحتاط فيها أكثر ممّا يحتاط في غيرها حتّى أن شبهة البعضيّة بسبب الرضاع قامت مقام حقيقة البعضيّة في إثبات الحرمة دون سائر الأحكام من التوارث ومنع وضع الزكاة ومنع قبول الشّهادة وكذلك لا يقوم المس أو النّظر مقام الوطء في إفساد الصّوم والإحرام ووجوب الاغتسال وإن قام مقامه في حق إثبات حرمة المصاهرة.

فإن قلت: النّظر إلى الفرج ليس كالمسّ عن شهوة ألا ترى أنّه لا يفسد الصّوم وإن اتّصل به الإنزال ولأنّ النّظر إلى الفرج لو قام مقام الوطء باعتبار أنّه سبب داع إلى الوطء لوجب أن يقدم النّظر إلى جمال المرأة أيضاً مقام الوطء لأنّه سبب داع إلى الوطء.

قلت: أمّا الجواب عن الصّوم فقد قلنا إن رعاية الاحتياط في أمر الفرج أشدّ من الرعاية في غيره فلا يلزم من قيام النّظر ههنا مقام المسّ والوطء قيامه مقامه في الصّوم وغيره.

وأمّا الجواب عن الثّاني: فإن التّفاوت ثابت بين النّظرين لما أنّ النّظر إلى الفرج لا يحلّ إلا في الملك بمنزلة المسّ عن شهوة بخلاف النّظر إلى سائر الأعضاء فلا يلزم من ثبوت حرمة المصاهرة في النّظر إلى فرج المرأة ثبوتها في النّظر إلى وجهها (١).

قوله: أو يزداد انتشاراً وهو الصّحيح احتراز عن قول كثير من المشايخ فقال في الذّخيرة (٢) وكثير من المشايخ لم يشترطوا الانتشار وجعلوا حدّ الشهوة أن يميل قلبه إليها ويشتهي جماعها وما اختاره في الكتاب قول شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السّرخسي وشيخ الإسلام -رحمهما الله- ثم معنى قوله أن ينتشر الآلة أي إذا لم تكن منتشرة قبل النّظر أو المس أو يزداد انتشاراً أي إذا كانت منتشرة قبل هذا ولكن ازدادت قوة وشدة بالنّظر أو المسّ كان ذلك عن شهوة وإلا فلا وهذا إذا كان شاباً قادراً على الجماع فإن [كان] (٣) شيخًا أو عنّينًا (٤) فحدّ الشهوة أن يتحرك قلبه بالاشتهاء إن لم يكن متحركاً قبل ذلك ويزداد الاشتهاء إن كان متحرّكًا فهذا هو حدّ الشّهوة وكان الفقيه مُحَمَّد بن مقاتل الرازي (٥) -رحمه الله- لا يعتبر تحرك القلب وإنما يعتبر تحرك الآلة وكان لا يفتي بثبوت الحرمة في الشيخ الكبير والعنّين الذي ماتت شهوته حتّى لم يتحرك عضوه بالملامسة.


(١) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٤/ ٢٠٨).
(٢) يُنْظَر: المحيط البرهاني (٣/ ٦٥).
(٣) ساقط من (ب).
(٤) قال وسُمِّيَ عِنِّيناً لأَنه يَعِنُّ ذكَرُه لقُبُل المرأَة من عن يمينه وشماله فلا يقصده ويقال تَعَنَّنَ الرجل إذا ترك النساء من غير أَن يكون عِنِّيناً، يُنْظَر: لسان العرب (٤/ ٣١٤٠).
(٥) مُحَمَّد بن مقاتل: هو مُحَمَّد بن مقاتل الرازي قاضي الرّيّ من أصحاب مُحَمَّد بن الحسن. كان إمام أصحاب الرأي بالري ومات بها وكان مقدما في الفقه. ومات سنة (٢٤٨ هـ) وقيل في التي بعدها.
يُنْظَر: لسان الميزان (٥/ ٣٨٨)، الجواهر المضية في طبقات الحنفية (٢/ ١٣٤).