للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والثّاني: أنّ معنى قوله: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} (١)؛ أي ما وراء المذكور [قيل] (٢) هذا والملحق به وهو المشركات وهذا من قبيل الملحق به في التّحريم، وذكر شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السّرخسي -رحمه الله- وجهين فيه بعد ذكر النسخ وقال أو نقول هذا الحديث مبين لما في الكتاب وليس بناسخ لأنّ الحلّ في الكتاب مفيد بشرط مبهم وهو قوله: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} (٣)، وهذا الشّرط مبهم والحديث ورد لبيان ما هو مبهم في الكتاب ورسول الله -عليه السلام- بعث مبينًا قال الله تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (٤) أو يقول هذا مقدر للحرمة المذكورة في الكتاب فإنّ الله تعالى ذكر في المحرّمات الجمع بين الأختين لأن بينهما رحمًا يفترض وصلها ويحرم قطعها وفي الجمع قطيعة/ على ما يكون بين الضّرائر من العداوة فبين رسول الله -عليه السلام- أن كلّ قرابة يفترض وصلها فهي في معنى الأختيّه في تحريم الجمع والتي بين العمة وابنة الأخ قرابة يفترض وصلها حتّى لو كانت أحديهما ذكر والأخرى أنثى لا يجوز النكاح بينهما صيانة للرّحم وكذلك إذا ملك عتق عليه تحرّزًا عن قطيعة الرّحم لما روينا من قبل وهو قوله -عليه السلام-: «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» (٥)، وقال زفر (٦) -رحمه الله-لا يجوز وأسند هذا القول في (الْمَبْسُوطِ) (٧) إلى ابن أبي ليلى رحمه الله.

ولكنّا نستدلّ بحديث عبدالله بن جعفر (٨) فإنه جمع بين امرأة علي -رضي الله عنه- وابنته (٩) ثم المانع من الجمع قرابة بين المرأتين أو تشبيه القرابة في الحرمة كالرّضاع وذلك غير موجود بين هاتين وما قاله ابن أبي ليلى إنّما يعتبر إذا تصوّر من الجانبين كما في الأختين وذلك لأنّ الاصل في حرمة الجمع بين المرأتين الجمع بين الأختين لأنّه هو المنصوص عليه والذي نحن فيه فرع عليه فيجب أن يكون الفرع على وفاق الأصلي والحرمة هناك من الجانبين فكذا هنا.


(١) النساء: ٢٤.
(٢) وفي (ب): (قبل).
(٣) سورة النساء من الآية: ٢٤.
(٤) سورة النحل من الاية: ٤٤.
(٥) سبق تخريجه (ص ٧٥).
(٦) هو: زُفَر بن الهذيل بن قيس من بلعنبر، كنيته أبو الهذيل الكوفي، وكان من أصحاب أَبِي حَنِيفَةَ، يروي عن يحيى ابن سعيد الأنصاري، روى عنه شداد بن حكيم البلخي، وأهل الكوفة، وكان زُفَر متقنًا حافظًا قليل الخطأ، وكان أقيس أصحابه وأكثرهم رجوعا إلى الحق إذا لاح له، ومات بالبصرة (١٥٨ هـ).
يُنْظَر: ثقات ابن حبان (٦/ ٣٣٩)، الجواهر المضية (١/ ٢٤٣)، وفيات الأعيان (٢/ ٣١٧).
(٧) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٤/ ١٩٦).
(٨) عبدالله بن جعفر: هو عبدالله بن جعفر بن أبي طالب بن عبدالمطلب الهاشمي القرشي: صحابي. ولد بأرض الحبشة لما هاجر أبواه إليها. وهو أول من ولد بهامن المسلمين. وأتى البصرة والكوفة والشام. وكان كريما يسمى بحر الجود. ومات سنة (٨٠ هـ).
يُنْظَر: الإصابة (٤/ ٣٩)، الأعلام (٤/ ٧٦).
(٩) رواه ابن أبي شيبة (٣/ ٤٩٦)، والداقطني (٤/ ٤٩٦)، ومصنف عبدالرزاق باب: الرجل يتزوج امرأة الرجل وابنته (٧/ ٤٨١) رقم (١٣٩٦٥)، ذكره البخاري في "باب ما يحل من النساء وما يحرم" (٢/ ٧٦٥)، وابنة علي هذه اسمها: زينب، من فاطمة، وامرأته هي ليلى بنت مسعود.
يُنْظَر: نصب الراية لأحاديث الهداية (٣/ ١٧٦).