للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لمّا بلغوا مكَّة تحقيقًا لمخالفة الكفرة، وكانوا لا يفسخون، ولا يحلقون ينتظرون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هل يحلق أم لا، فاعتذر النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: (لَوِ اسْتَقْبَلْتُ) الحديث، وقد بيّن أن سوق الهدي يمنعه عن التحلل لولا ذلك لتحلل كذا في «مبسوط شيخ الإسلام» (١).

(ولجعلتها عمرة).

أي: ولجعلت السفرة أو لجعلتُ الحجّ أثبت (٢) وصف الخبر في المبتدأ، وهذا ينفي التحلل عند سوق الهدي، ولأن لسوق الهدي تأثيرًا في إثبات الإحرام ابتداء، وكان له أثر في استدامة الإحرام أيضًا، بل أولى؛ لأن البقاء أسهل.

قوله -رحمه الله-: (وهو دم التمتع على ما بيّنا).

إشارة إلى ما ذكر قبل هذا المقدار (٣) ورد بقوله: (وعليه دم) (٤).

دم التمتع للنص الذي تلوناه، وهو قوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى … الْحَجِّ} (٥).

(وإذا حلق يوم النحر فقد حل من الإحرامين) (٦).

أي: إحرام العمرة والحجّة، فإن قيل: لو كان إحرام العمرة باقيًا إلى وقت الحلق ينبغي أن يلزم على القارن دمان فيما إذا جنى قبل الحلق (٧)، وقد قال علماؤنا: أن القارن لو قتل صيداً بعد الوقوف بعرفة قبل الحلق، فعليه قيمة واحدة، ولو بقي إحرام العمرة بعد الوقوف لوجب عليه قيمتان كما قبل الوقوف قلنا: إن إحرام العمرة انتهى بالوقوف، وإنما يبقى في حق التحلل لا غير؛ لأن التحلل لا يتصور إلا بعد قيام الإحرام، يبقي الإحرام في حق التحلل لا غير كإحرام المفرد فيه بالحجّ بعد الحلق، فإنه لا يبقى في حق سائر المحظورات، ويبقى في حق الجماع ضرورة طواف الزيارة.

وإنما قلنا: إن إحرام العمرة لا يبقى بعد الوقوف؛ لأن الله تعالى جعل الحجّة غاية إحرام العمرة، والمضروب له الغاية لا يبقى بعد وجود الغاية إلا بضرورة، وهي ما ذكرنا، وإذا لم يبق إحرام العمرة لم تقع الجناية عليه، فلا يجب لأجله شيء كذا في «مبسوط شيخ الإسلام» (٨) خلافًا للشافعي (٩) -رحمه الله- فإن عنده لهم القران، والمتعة، ولكن لا دم عليهم، والحجّة عليه قوله تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (١٠)، ذكر في «الكشاف» (١١).


(١) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٢/ ١٦٨)، العناية شرح الهداية (٣/ ٩).
(٢) في (ب): أنث.
(٣) في (ب): بمقدار.
(٤) انظر: بداية المبتدي (١/ ٤٨).
(٥) سورة البقرة من الآية (١٩٦).
(٦) انظر: بداية المبتدي (١/ ٤٩).
(٧) سقط من (ب) من قوله: ينبغي أن يلزم إلى قوله: قبل الحلق.
(٨) انظر: العناية شرح الهداية (٣/ ١٠)، البحر الرائق شرح كنز الدقائق (٢/ ٣٩٢).
(٩) انظر: المجموع (٨/ ٢٨٨).
(١٠) سورة البقرة: من الآية (١٩٦).
(١١) انظر: الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (١/ ٢٣٨).