للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فانتهى الغاية. فأردت معارضته، فأمرت جارًا بحمل حجرين ضخمين، وبعثت معه غلامًا بعد صلاة العتمة. حتى أنزلهما باب القاضي ابن السليم، وأنزلهما الى مصراعيه، فلما قام القاضي لصلاة الفجر، وفتح بابه سحرًا، لقي الحجرين مسندين إليه، فبقي مفكرًا، ومضى الى المسجد، مشغول البال، الى أن دخلت عليه غدوة. فما هو إلا أن رآني اهتدى الى وجه القصة، فقرّبني وقال لي: أنت صاحبه؟ فقلت: هما الحجران اللتان دفعت إليّ، وضعتهما عندي حتى كبُرتا وصرفتهما إليك أذكرك حالك. فبكى، وقال: هو حقك، والبادئ أظلم، فإنّا لله وإنا إليه راجعون على عظم منشبنا، وخسران صفقتنا. قال ابن الهندي: وكان ابن سليم شديد المحبة لبنيه، والإشفاق عليهم. وكان يوصي مؤدبهم ألا يضربهم. فقال له مؤدبهم، يومًا: كيف يتعلمون بلا ضرب؟ فقال له: الرّحمانُ علّم القرآنَ. أوصى مؤدبي أبي، أن لا يضربني، فما ضربني قطّ غير مرة واحدة. فلذلك لم أتعلم. قال ابن الهندي: قال لي ابن السليم: رأيت ثلاث مرات تؤيا استدللتُ من اثنتين منها، على أنني ألي الضاء، وبالأخرى على أني ألي الصلاة. قلت له: كم كان بين رؤياك الأولى، وولايتك القضاء؟ قال ثلاثين سنة. ودخل ابن السليم يومًا، على الخليفة الحكم، وهو ينظر في كتاب فيه من صعاب المسائل، في الفرائض، فألقى عليه منها، أول مسألة. فأجابه: كأنه يقرأها معه في الكتاب الى أن أتى على آخرها. فأعجب به، وقال: أنت من الراسخين في العلم. وكان ابن السليم، حسن الخلق، حليمًا. حضر يومًا مسجدًا بأطراف قرطبة، لانتظار جنازة فحان وقت العصر، فلم يؤذّن لها. فقال لرجل من العامة: يا هذا،

<<  <  ج: ص:  >  >>