وقد يقال: إن هذا الاختلاف مؤثر فيه: ذلك أن طريق مجاهد وطريق سعيد بن جبير، كلاهما قيل فيه عن ابن عباس. ومع ذلك ثبت عن مجاهد من قوله. وعبد الكريم تارة ينسب إلى الجزري الثقة في طريق عبيد الله بن عمرو الرقي. وتارة ينسب إلى ابن أبي أمية كما في طريق هشام الدستوائي. وتارة عن الحسن مرسلًا، وتارة من مسند أبي هريرة، ولا يكفي أن يكون طريق عبيد الله بن عمرو مستقلًا حتى يكون مقبولًا، فالعلماء يعلون الحديث للمخالفة، ولو كان الطريق مستقلًا، فإذا كان الأكثر أو الأحفظ على إرساله أو وقفه رجح على الموصول والمرفوع، وأقرب مثال على هذا ما رواه ابن أبي شيبة (١/ ١٧١) رقم ١٩٧٣، وأحمد وغيرهما ثنا وكيع، ثنا سفيان، عن أبي قيس، عن هزيل بن شرحبيل، عن المغيرة بن شعبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، ومسح على الجوربين والنعلين. فهذا إسناد رجاله كلهم ثقات، وهو طريق مستقل كما أفصح عنه ابن دقيق العيد، فقال في نصب الراية (١/ ١٨٠): «ومن يصححه يعتمد بعد تعديل أبي قيس على كونه ليس مخالفًا لرواية الجمهور مخالفة معارضة، بل هو أمر زائد على ما رووه، ولا يعارضه، ولا سيما وهو طريق مستقل برواية هزيل عن المغيرة، لم يشارك المشهورات في سندها». اهـ وقال ابن التركماني في الجوهر النقي عن رواية هذيل عن أبي قيس (١/ ٢٨٤): «ثم إنهما لم يخالفا مخالفة معارضة، بل رويا أمرًا زائدًا على ما رووه بطريق مستقل غير معارض، فيحمل على أنهما حديثان». اهـ ومع كونه طريقًا مستقلًا فقد أعله الأئمة بالمخالفة، وإليك النقول عنهم: قال أبو داود في السنن (١٥٩): كان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدث بهذا الحديث؛ لأن المعروف عن المغيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين. وذكر البيهقي بسنده أن عبد الرحمن بن مهدي، قال لسفيان: لو حدثتني بحديث أبي قيس عن هذيل ما قبلته منك. فقال سفيان: الحديث ضعيف، أو واه أو كلمة نحوها. وساق البيهقي بسنده عن محمد بن يعقوب، قال: سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل يقول: حدثت أبي بهذا الحديث، فقال أبي: ليس يروى هذا إلا من حديث أبي قيس، وقال أبي: إن عبد الرحمن بن مهدي أبى أن يحدث به، ويقول: هو منكر. وساق البيهقي أيضًا بسنده عن علي بن المديني أنه قال: حديث المغيرة بن شعبة في المسح، رواه عن المغيرة أهل المدينة، وأهل الكوفة، وأهل البصرة، ورواه هذيل بن شرحبيل، عن المغيرة إلا أنه قال: ومسح على الجوربين، وخالف الناس. =