وكذلك إذا منع المسلم من البصق في المسجد لم يترك الكافر ليبصق فيه، ومثله النهي عن البيع فيه وإنشاد الضالة ونحوها، يلزم الكافر بما يلزم به المسلم، فما كان من قبيل المنهيات أو كان من قبيل الأحكام الوضعية يستوي فيه الكبير والصغير والمسلم والكافر، كالكذب والسرقة والزنا ونحوها، وإذا مكنا الكافر من دخول المسجد، وإن كان لا يعتقد حرمته، فإن هذا الفعل أصبح من كسبنا، وليس من كسب الكافر، والله أعلم.
[الدليل الثالث]
أن الجنب ليس نجسًا، فبدنه، وعرقه، وريقه طاهر، فلا يمنع من دخول المسجد، بل إن المسلم المتضمخ بالنجاسة على وجه لا يتعدى لا يمنع من دخول المسجد، فإذا كان على بدن المسلم أثر بول، أو على ثوبه، لم يحرم عليه دخول المسجد، فالجنب من باب أولى.
(٧٩٤ - ١١٤) فقد روى البخاري، قال: حدثنا عياش، قال: حدثنا عبد الأعلى، قال: حدثنا حميد، عن بكر، عن أبي رافع،
عن أبي هريرة قال: لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا جنب، فأخذ بيدي، فمشيت معه حتى قعد، فانسللت، فأتيت الرحل فاغتسلت، ثم جئت وهو قاعد فقال: أين كنت يا أبا هريرة؟ فقلت له: فقال: سبحان الله، يا أبا هريرة إن المؤمن لا ينجس. ورواه مسلم (١).
وجه الشاهد منه، قوله:(إن المؤمن لا ينجس) سواءً قلنا: إن معنى الحديث: إن المؤمن لا ينجس بالجنابة، وإن كانت قد تلحقه النجاسة الحسية كغيره، أو قلنا: إن المؤمن طاهر بإيمانه، كما أن المشرك نجس بشركه، فهي طهارة معنوية، فعلى كلا التفسيرين إذا كان المؤمن لا ينجس، ولو كان جنبًا، فالطاهر لا يمنع من دخول المسجد.