والحق أن عبد الكريم ثقة، متفق على ثقته، وتعميم ابن حبان غير مرضي، ولم ينتقد حديث عبد الكريم إلا في روايته عن عطاء، وابن حبان إذا جرح عمَّم، لكن الأئمة قد يعلون الحديث إذا تفرد به ثقة عن أقرانه، وكان أصلًا في الباب، ولم يصححه معتبر، فكيف وقد اختلف في إسناده ومتنه، وإليك بيانه: الحديث رواه عبيد الله بن عمرو، عن عبد الكريم الجزري، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس كما سبق. ورواه الحكيم الترمذي في المنهيات (١٩٩) من طريق أبي حمزة السكري، عن عبدالكريم، عن مجاهد، أنه ذكر عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يكون في آخر الزمان قوم يصبغون بالسواد، لا ينظر الله إليهم يوم القيامة. وعبد الكريم هذا هو الجزري، لأن أبا حمزة السكري لا يروي إلا عن الجزري، ومجاهد لم يصرح أنه سمعه من ابن عباس. والأول أقوى إسنادًا، والحكيم الترمذي متكلم فيه، لكنه قد توبع على الأقل في ذكر مجاهد. فقد رواه الخلال في كتاب الترجل (ص: ١٣٩) أخبرنا يحيى، قال: أخبرنا عبد الوهاب، قال: أخبرنا هشام بن عبد الله، عن عبد الكريم بن أبي أمية، عن مجاهد، قال: يكون قوم في آخر الزمان يسودون شعورهم، لا ينظر الله إليهم يوم القيامة. وهذا إسناد حسن إلى عبد الكريم بن أبي أمية، رجاله كلهم ثقات إلا عبد الوهاب، فإنه صدوق، وهنا صرح في الإسناد أن عبد الكريم هو ابن أبي أمية المتروك. كما أن فيه مخالفة أخرى، وهو أن المتن ليس فيه: (لا يريحون رائحة الجنة). كما أن هشامًا توبع في كون الحديث من قول مجاهد، فقد روى عبد الرزاق في المصنف (٢٠١٨٣) قال: أخبرنا معمر، عن خلاد بن عبد الرحمن، عن مجاهد، قال: يكون في آخر الزمان قوم يصبغون بالسواد لا ينظر الله إليهم، أو قال: لا خلاق لهم. وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات. وأما ما رواه ابن أبي شيبة في المصنف (٥/ ١٤٨) رقم ٢٥٠٣١ قال: حدثنا ملازم بن عمرو، عن موسى بن نجدة، عن جده زيد بن عبد الرحمن، قال: سألت أبا هريرة: ما ترى في الخضاب بالوسمة؟ فقال: لا يجد المختضب بها ريح الجنة. فهذا إسناد ضعيف، فيه موسى بن نجدة لم يرو عنه غير ملازم بن عمرو، ولم يوثقه أحد، ولذلك قال الحافظ: مجهول. ورواه الخلال في الوقوف والترجل (ص: ١٣٩): أخبرنا محمد بن علي، حدثنا مهنا، قال: حدثني أبو عصام داود، حدثنا زهير بن محمد العنبري، =