للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَوْلُهُ -رحمه الله-: (وَالتَّخْييرُ يُنَافِي الْفَرْضِيَّةَ)

فَإِنْ قُلْتَ كَيْفَ يُنَافِي الْفَرْضِيَّةَ وَقَدْ تَعَلَّقَ بِأَحَدِهِمَا، وَهُوَ قِرَاءَةُ التَّشَهُّدِ، أَوِ الْقُعُودُ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ فِي قَوْلِهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِذَا قُلْتَ هَذَا أوَ فَعَلْتَ هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُكَ» (١) وَقَدْ تَعَلَّقَتِ الْفَرْضِيَّةُ بِالْقُعُودِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ بِالْإِجْمَاعِ؟

قُلْتُ هَذَا غَلَطٌ فَاحِشٌ بِأَنْ يُرَادَ بِهَذَا التَّخْيِيرِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ؛ مَا قُلْتُهُ مِنَ التَّخْيِيرِ مِنَ الْقِرَاءَةِ، وَالْقُعُودِ بِمِقْدَارِ التَّشَهُّدِ، بَلِ الْمُرَادُ مِنْهُ، هُوَ مَا ذَكَرْنَا آنِفاً أَنَّهُ مُخَيَّرٌ (٢) بَيْنَ/ الْقُعُودِ وَالْقِيَامِ، وَهُوَ مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ فِي آخَرِ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- «إِنْ شِئْتَ أَنْ تَقُومَ فَقُمْ وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَقْعُدَ فَاقْعُدْ» (٣) وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- أَخْبَرَ بِتَمَامِ صَلَاتِهِ قَبْلَ هَذَا التَّخْيِيرِ فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ الْفُرُوضِ بَعْدَ التَّمَامِ.

قَوْلُهُ -رحمه الله-: (وَبِمِثْلِهِ لَا تَثْبُتُ الْفَرْضِيَّةُ)

إِشَارَةً إِلَى قَوْلِهِ -صلى الله عليه وسلم-: «وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» (٤) وَقَدَ ذُكِرَ فِي "الأسرار» أَنْ هَذَا الْخَبَرَ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ فَلَا تَثْبُتُ فِيهِ (٥) الْفَرْضِيَّةُ ثُمَّ لَمْ يَذْكُرْ ها هُنَا أَنَّ الْمُقْتَدِيَ مَتَى يُسَلِّمُ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ (٦) فِي رِوَايَةٍ: يُسَلِّمُ مَعَ الْإِمَامِ، فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ التَّسْلِيمِ وَالتَّكْبِيرِ.

وَفِي رِوَايَةٍ يُسَلِّمُ بَعْدَ الْإِمَامِ؛ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، هُوَ أَنَّ فِي مُقَارَنَةِ التَّكْبِيرِ سُرْعَةَ الْعِبَادَةِ، وَكَانَ أَوْلَى وَفِي مُقَارَنَةِ التَّسْلِيمِ سُرْعَةٌ إِلَى الْخُرُوجِ عَنِ الْعِبَادَةِ فَأَنْ يَبْقَى فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ حُرْمَةِ الصَّلَاةِ.


(١) سبق تخريجه في (٢٧٣).
(٢) في (ب): (يخير).
(٣) سبق تخريجه في (ص: ٢٧٣).
(٤) سبق تخريجه في: (ص: ٢٦٧).
(٥) في (ب): (به).
(٦) ينظر: "المبسوط" للسرخسي (١/ ٣٨).