للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَوْلُهُ -رحمه الله-: (كَانَ يُكَبِّرُ عِنْدَ كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ)

وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ (١) بِأَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ حَالَ مَا يَرْكَعُ؛ وَإِنَّمَا يُكَبِّرُ حَالَ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، وَهُمْ بَنُو أُمَيَّةَ، وَرَوُوا فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَعَلَ (٢) هَكَذَا؛ وَلِأَنَّ التَّكْبِيرَ حَالَةَ الانْتِقَالِ؛ مَا شُرِعَ مَقْصُوداً بِنَفْسِهِ (٣)؛ وَإِنَّمَا شُرِعَ سُنَّةً لِلْإِعْلَامِ بِدَليِلِ سُنِيَّةِ الْجَهْرِ بِهِ؛ وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إِلَى الْإِعْلَامِ، حَالَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنَ الرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ (؛ لِأَنَّ الْقَوْمَ لَا يُعَايِنُونَ رَفْعَ الْإِمَامِ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ) (٤) فَيَحْتَاجُ إِلَى الْإِعْلَامِ بِالتَّكْبِيرِ؛ فَأَمَّا فِي حَالَةِ الْخَفْضِ؛ فَإِنَّهُمْ يُعَايِنُونَ خَفْضَهُ فَاسْتَغْنَى عَنِ الْإِعْلَامِ.

وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ (٥) بِأَنَّهُ يَقُولُهَا فِي نَفْسِهِ حَالَةَ الْخَفْضِ وَلَا يَجْهَرُ؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ، وَالسَّبِيلُ فِي الْأَذْكَارِ الْمُخَافَتَةُ إِلَّا لِعُذْرٍ، وَالْعُذْرُ فِي تَكْبِيرَاتِ حَالَةَ الرَّفْعِ لِيَعْلَمَ الْقَوْمُ بِالانْتِقَالِ، وَلَا حَاجَةَ فِي حَالَةِ الْخَفْضِ فَيُخَافِتُ؛ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَجَمَاعَةٍ مَعَهُمَا «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَبَّرَ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ» (٦).

وَالْمَعْنَى أَنَّ الانْتِقَالَ مِنْ رُكْنٍ إِلَى رُكْنٍ بِمَعْنَى الرُّكْنِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ (٧) لَا يُمْكِنُهُ تَحْصِيلَ مَا بَعْدَهُ مِنَ الرُّكْنِ، إِلَّا بِالانْتِقَالِ عَنِ الْأَوَّلِ، وَمَا لَا يُتَوَسَّلُ إِلَى الْفَرْضِ إِلَّا بِهِ كَانَ فَرْضاً، فَيَجِبُ أَنْ يَحِلَّهُ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ كَمَا حَلَّ سَائِرُ الْأَرْكَانِ؛ وامَّا مَا رَوُوا مِنَ الْحَدِيثِ فَنُوَفِّقُ (فَنَقُولُ أَنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يُكَبِّرُ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ الرَّاوِي، وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبْزَى (٨) -رحمه الله- وَسَمِعَهُ غَيْرُهُ.


(١) " بدائع الصنائع للكاساني " (١/ ٢٠٧)، " البناية شرح الهداية للعيني " (٢/ ٢١٩).
(٢) في (ب): (قيل).
(٣) (بِنَفْسِهِ) ساقطة من (ب).
(٤) جملة مكررة مضروب عليها في المخطوط (أ).
(٥) في (ب): (يفعل).
(٦) أخرجه البخاري في "صحيحه" (١/ ٢٣٧)، كتاب الصلاة، باب إتمام التكبير في الركوع، حديث (٧٦٧) … و (٧٦٨)، وأخرجه مسلم في "صحيحه" (ص ١٦٩)، كتاب الصلاة، باب إثبات التكبير في كل خفض ورفع في الصلاة إلا رفعه من الركوع فيقول فيه سمع الله لمن حمده، حديث (٣٩٣) و (٣٩٢)، كلاهما عن أبي هريرة وعلي -رضي الله عنهما-.
(٧) (لِأَنَّهُ) ساقطة من (ب).
(٨) هو الصحابي عَبْد الرَّحْمَن بْن أبزي الخزاعي، مَوْلَى نافع بْن عَبْد الحارث، سكن الكوفة، واستعمله -رضي الله عنه-، عَلَى، خراسان، أدرك النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم-، وأكثر روايته عَنْ عُمَر، وأبي بْن كعب، -رضي الله عنهما-، وقَالَ فِيهِ عُمَر بْن الخطاب: عَبْد الرَّحْمَن بْن أبزي ممن رفعه اللَّه بالقرآن، عاش إلى سنة نيف وسبعين. انظر: "أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير" (٣/ ٣١٨)، "سير أعلام النبلاء للذهبي" (٣/ ٢٠٢)، " الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر " (٤/ ٢٣٩).