للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وامَّا قَوْلُهُ -صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا» (١) سُمِّيَ الْإِمَامُ مُؤْمِّناً بِاعْتِبَارِ التَّسْبِيبِ، وَالْمُسَبِّبُ يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى بِاسْمِ الْمُبَاشِرِ؛ كَمَا يُقَالُ: بنى الْأَمِيرُ دَارَهُ؛ ثُمَّ عَلَى ظَاهِرِ مَذْهَبِ عُلَمَائِنَا يُؤَمِّنُ الْإِمَامُ، وَيُخْفِي وَقَالَ الشَّافِعِيُّ -رحمه الله-: (يَجْهَرُ بِهَا الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ؛ الَّتِي يَجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ وَالْمَأْمُومُ يُخَافِتُ) ذَكَرَ الْمُزَنِيُّ (٢) هَكَذَا فِي "مُخْتَصَرِهِ" (٣) كَذَا فِي "مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ".

وَذُكِرَ فِي "الْخُلَاصَةِ الْغَزَالِيَّةِ": (وَمِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ أَنْ يَجْهَرَ (٤) بِالتَّأْمِينِ فِي الْجَهْرِيَّةِ ذَكَرَ قَبْلَ هَذَا إِمَاماً كَانَ، أَوْ مُنْفَرِداً) (٥)

وَتَعَلَّقَ الشَّافِعِيُّ -رحمه الله- (٦) فِي الْجَهْرِ بِقَوْلِهِ -صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا» (٧) فَلَوْ لَمْ يَكُنْ تَأْمِينُ الْإِمَامِ مَسْمُوعاً؛ لَمَا صَحَّ تَعْلِيقُ تَأْمِينِ الْقَوْمِ بِتَأْمِينِهِ.

وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ التَّأْمِينَ دُعَاءٌ؛ فَإِنَّ مَعْنَاهُ اللَّهُمَّ أَجِبْ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ يَا آمِينَ اسْتَجِبْ، وَهُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَصَّةُ مُوسَى وَهَارُونَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ … قَالَ: {قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} (٨) وَكَانَ هَارُونُ يُؤَمِّنُ؛ فَدَلَّ أَنَّهُ دُعَاءٌ، وَالسَّبِيلُ فِي الْأَدْعِيَةِ الْمُخَافَتَةُ، عَلَى مَا قَالَ تَعَالَى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} (٩)، وَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: «خَيْرُ الدُّعَاءِ الْخَفِيُّ وَخَيْرُ الرِّزْقِ مَا يَكْفِي» (١٠) وامَّا قَوْلُهُ بِأَنَّهُ عَلَّقَ تَأْمِينَهُ بِتَأْمِينِ الْإِمَامِ؛ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ تَأْمِينُ الْإِمَامِ؛ إِذَا جَهَرَ قُلْنَا يُعْرَفُ تَأْمِينُ الْإِمَامِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجْهَرَ بِهِ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُ إِذَا قَالَ، وَلَا الضَّالِّينَ فَقَدْ جَاءَ أَوَانُ تَأْمِينِ الْإِمَامِ فَيُعْرَفُ تَأْمِينُهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ، وَمَذْهَبُنَا مَذْهَبُ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- (١١)


(١) أخرجه البخاري في "صحيحه" (ص ٢٣٦)، كتاب الصلاة، باب جهر الإمام بالتأمين، حديث (٧٦٣)، وأخرجه مسلم في "صحيحه" (ص ١٧٥)، كتاب الصلاة، باب التسميع، والتحميد، والتأمين، حديث (٤١٠).
(٢) في (ب): (الهذلي).
(٣) أنظر: "مختصر المزني" (ص ٢٥).
(٤) في (ب): (بالجهر).
(٥) أنظر: "الخلاصة" للغزالي (ص ١٠٠).
(٦) ينظر: "الأم للشافعي" (١/ ١٠٩).
(٧) سبق تخريجه في الصفحة السابقة: (ص: ٣١٢).
(٨) سورة يونس: (٨٩)
(٩) سورة الأعراف: من آية (٥٥)
(١٠) لم أجده بهذا اللفظ وإنما وجدته بلفظ: (خَيْرُ الذِّكْرِ الْخَفِيُّ وَخَيْرُ الرِّزْقِ مَا يَكْفِي)، وقد أخرجه أحمد في"مسنده" (٣/ ٧٦)، حديث (١٤٧٧)، وأخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (٢/ ٨٢)، فصل في إدامة ذكر الله عز وجل، حديث (٥٤٨).
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (١٠/ ٨٥): (وفيه محمد بن عبد الرحمن بن لبيبة وقد وثقه ابن حبان وقال: روى عن سعد بن أبي وقاص قلت: وضعفه ابن معين وبقية رجالهما رجال الصحيح).
(١١) كذا في المخطوط: (أ) بدون (بن) وبقوله: (عنه).