للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وامَّا الْحَدِيثُ قُلْنَا: هَذَا غَيْرُ مُسْتَطِيعٍ عَلَى الْقِيَامِ، حُكْماً؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ سَتْرَ مَا قَدَرَ عَلَى سَتْرِهِ، إِلَّا بِتَرْكِ الرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ، وَالْقِيَامِ، فَكَانَ عَاجِزاً عَنِ الْقِيَامِ، حُكْماً كَذَا فِي "مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ".

قَوْلُهُ -رحمه الله-: (إِلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَفْضَلُ)

وَهُوَ الصَّلَاةُ قَاعِداً، أَفْضَلُ مِنَ الصَّلَاةِ قَائِماً؛ لِأَنَّ فِي الْقُعُودِ سَتْرَ الْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ، وَفَرْضِيَّةُ سَتْرِ الْعَوْرَةِ، آكَد مِنْ فَرْضِيَّةِ الرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ، بِدَلِيلِ أَنَّ النَّافِلَةَ تُصَلَّى عَلَى الدَّابَّةِ، بِإِيمَاءٍ، فَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ، بِدُونِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ، حَالَةَ الْقُدْرَةِ بِحَالٍ.

فَإِنْ قُلْتَ: هَذِهِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةُ؛ وَهِيَ: الْمَعْنَيَانِ الْمَذْكُورَانِ؛ فِي "الْهِدَايَةِ"

بَقَوْلِهِ -رحمه الله-: (لِأَنَّ السَّتْرَ وَجَبَ لِحَقِّ (١) الصَّلَاةِ وَحَقِّ النَّاسِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا خَلَفَ لَهُ وَالْإِيمَاءُ خَلَفٌ عَنِ الْأَرْكَانِ)

وَهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْتُهُ، يَقْتَضِي أَنْ لَا يَجُوزَ الصَّلَاةُ بِدُونِ السَّتْرِ، الَّذِي يَحْصُلُ بِالْقُعُودِ فَلِمَ جُوِّزَتِ الصَّلَاةُ، قَائِماً؛ عَارِياً، مَعَ أَنَّ الْآثَارَ؛ الَّتِي ذَكَرْتُهَا تَقْتَضِي أَيْضاً انْحِصَارَ الْجَوَازِ عَلَى الْقُعُودِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا دَلَالَةُ الْجَوَازِ فِي الْقِيَامِ؟

قُلْتُ: لِأَنَّ تَرْكَ الْأَرْكَانِ، وَتَرْكَ السَّتْرِ، لَمَّا اسْتَوَيَا فِي مَنْعِ الْجَوَازِ، حَالَةَ الْقُدْرَةِ، اسْتَوَيَا فِي اقْتِضَاءِ الْجَوَازِ، عِنْدَ الْإِتْيَانِ بِأَحَدِهِمَا، وَتَرْكُ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْإِتْيَانُ، بِأَحَدِهِمَا إِلَّا عِنْدَ تَرْكِ الْآخَرِ، فَاسْتَوَيَا فِي الْمَيْلِ إِلَى أَحَدِهِمَا، فَلَا تَسْقُطُ فَرْضِيَّةِ أَحَدِهِمَا، بِفَرْضِيَّةِ الْآخَرِ؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَأْتِ بِجَمِيعِ فَرْضِيَّةِ السَّتْرِ، لَمْ يَعْتَبِرْ ذَلِكَ الْقَدْرَ، مِنَ السَّتْرِ بِمَقَابَلَةِ تَرْكِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى/ سَتْرِ جَمِيعِ الْعَوْرَةِ، إِنَّمَا قَدَرَ بِالْقُعُودِ، عَلَى سَتْرِ بَعْضِ الْعَوْرَةِ، الْغَلِيظَةِ، فَلَا يَتْرَكُ اخْتِيَارَ تَرْكِ الْأَرْكَانِ، بِمُقَابَلَةِ، مِثْلِ ذَلِكَ السَّتْرِ، وَلَكِنْ قَدْرُ ذَلِكَ السَّتْرِ، يَصْلُحُ لِتَرَجُّحِ (٢) جَانِبِ السَّتْرِ؛ لِأَنَّ السَّتْرَ، وَإِنْ قَلَّ، كَانَ هُوَ أَوْلَى بِالاعْتِبَارِ، مِنَ الْأَرْكَانِ؛ لِمَا ذُكِرَ (٣) مِنَ الْمَعَانِي، وامَّا الْآثَارُ، فَهِيَ بَيَانٌ لِلْأَفْضَلِيَّةِ، لَا لِإِثْبَاتِ الْفَرْضِيَّةِ، بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا.


(١) في (ب): (بحق).
(٢) في (ب): (للترجيح).
(٣) في (ب): (ذكرنا).