للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله: (لا تبطل شفعته بالتأخير)، أي: بتأخير هذا الطلب، وهو طلب الخصومة، وإذا تقدم الشفيع إلى القاضي هذا هو [طلب] (١) كيفية الخصومة التي كان وعدها قبل هذا، فادعى الشرى، وطلب الشفعة، وصورة ذلك: أن يقول الشفيع للقاضي: إن فلانًا اشترى دارًا، وتبين مصرها ومحلتها وحدودها، وأنا شفيعها بدار لي، وتبين حدودها؛ فمره بتسلمها إليَّ، وإنما يتبين هذه الأشياء؛ لأن الدعوى إنما تصح في المعلوم، وإعلام العقار بهذه الأشياء؛ فبعد ذلك مسألة القاضي: أن المشتري هل قبض الدار أم لا؟ لأنه إذا لم يقبضها من البائع لا تصح الدعوى على المشتري ما لم يحضر البائع؛ لأن اليد للبائع، فإذا ذكر القبض منع (٢) أن يسأله بأي سبب تدعي الشفعة، وهذا لأن أسباب الشفعة مما يختلف فيها العلماء؛ بعضهم قالوا: تثبت الشفعة للجار المقابل، وهو قول شريح. ذكره في «المبسوط» إذا كان أقرب بابًا (٣).

وعندنا: الشفعة على مراتب، فلابد من أن يبين سببها؛ لينظر القاضي أن ما زعمه سببًا: هل هو سبب؟ وبعد أن يكون سببًا: هل هو محجوب بغيره، وإذا بين المدعي أنه ليس بمحجوب بغير مثاله (٤) القاضي: متى علمت بالشرى؟ وكيف ضعت حين علمت؟

قال مشايخنا رحمهم الله: «والصحيح: أن القاضي يقول [له] (٥): متى أخبرت بالشرى؟ وكيف صنعت حين أخبرت بالشرى؟ وإنما اختاروا الإخبار؛ لأن العلم لا يثبت إلا بدليل مقطوع به، والشفعة تبطل بترك الطلب بعد وصول الخبر إليه، وإنما يسأله عن وقت الإخبار، أو وقت العلم حتى يرى القاضي أن المدة هل تطاولت من وقت العلم، أو من وقت الإخبار إلى وقت المرافقة (٦) إلى القاضي، فإن عند أبي يوسف ومحمد- رحمهما الله- إذا تطاولت المدة؛ فالقاضي لا يلتفت إلى دعواه. وعليه الفتوى.

ثم إذا سأله عن طلب المواثبة؛ فقال: طلبت حتى (٧) علمت، أو قال: حتى (٨) أخبرت من غير لبث- سأله عن طلب الإشهاد: هل طَلَبَ طَلَبَ الإشهادِ بعد ذلك من غير تأخير وتقصير؟ فإن قال: نعم؛ سأله: أين الذي طلب بحضرته؟ هل كان أقرب إليه من غيره؟ فإن قال: نعم؛ تبين أن الإشهاد قد صح، ثم إذا بين ما يصح عنده الطلب، فقد صحح دعواه، وبعد (٩) ذلك [إلى] (١٠) القاضي يسأل (١١) المدعَى عليه عن دعوى المدعي، فإن أنكر أن يكون شفيعها، وأنكر سبب شفعته، فإن كان المدعي ادعى الشفعة بسبب الجواز (١٢)، والمدعى عليه أنكر أن يكون المدعي جارًا للدار المشتركة (١٣)، وأن تكون الدار التي بجنب الدار المشتراة ملك المدعي، فالقول قوله، وإن كانت تلك الدار في يد المُدَّعي، فعلى المدعي أن يُقيم البينة على أن تلك الدار ملكه؛ لأن اليد محتملة؛ يحتمل أن تكون يد ملك، ويحتمل أن تكون يد إجارة أو عارية، والمحتمل لا يصلح حجة.


(١) ساقطة من: (ع).
(٢) لعلها هكذا، وفي (ع): «ينبغي».
(٣) ينظر: المبسوط: ١٤/ ٩٣.
(٤) في (ع): «بغيره سأله».
(٥) ساقطة من: (ع).
(٦) في (ع): «المرافعة».
(٧) في (ع): «حين».
(٨) في (ع): «حين».
(٩) في (ع): «فبعد».
(١٠) زيادة من: (ع).
(١١) في (ع): «يسأله».
(١٢) في (ع): «الجوار».
(١٣) في (ع): «المشتراة».