للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قلنا: في الآية أن خلق الجبال بعد المدر ولكن لما خلقها جعلها رواسي من فوقها وركبها في الأرض على سبيل القرار، وصار الكل شيئًا واحدًا ويتناولها اسم الأرض فالمدر قبل ذلك كان أرضًا لا لأنه مدر، ولكن لأنه لما فتق من السماء لبني آدم والجبال [فيها صارت] (١) خلقة من الله تعالى فصارت أرضًا كالسقف اسمٌ لما علا على وجه الأرض فسمي سقفًا لكل ما ركب فيه علوًا، وقد يكون بحفر ما تحته إذا كان تركيبًا أصليًّا.

وأما الذهب والفضة والزجاج فليس في الآية أن الله تعالى ركبها جزءًا من الأرض خلقه بل هي مما يتولد من الأرض كالنبات؛ ولأن الأحجار من حيث أنها [لا] (٢) تنطبع بالنار ولا تحترق احتراق الأشجار صارت من جنس الأرض.

(وَكَذَا يَجُوزُ بِالْغُبَارِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الصَّعِيدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ) لأنَّهُ تُرَابٌ رَقِيقٌ

-قوله: (وكذا يجوز بالغبار) «بأن نفض ثوبه أو لُبدَه (٣) وتيمم بغباره وهو يقدر على الصعيد أجزأه في قول أبي حنيفة ومحمد (٤) -رحمهما الله-، ولا يجزئه عند أبي يوسف (٥) -رحمه الله- إلا إذا كان لا يقدر على الصعيد، ووجهه أن الغبار ليس بتراب خالص ولكنه من التراب من وجه والمأمور به التيمم بالصعيد فإن قدر عليه لم يجز إلا بالصعيد، وإن لم يقدر عليه فحينئذٍ يتيمم بالغبار كما أن العاجز عن الركوع والسجود يصلي بالإيماء، وهما احتجا بحديث عمر -رضي الله عنه- فإنه كان مع أصحابه في سفر فمطروا بالجابية (٦) (٧) فأمرهم أن ينفضوا لبودهم وسروجهم ويتيمموا بغبارها (٨).


(١) في (ب): «صارت فيها».
(٢) ساقطة من (ب).
(٣) اللبد: أي الصوف، لسان العرب (٣/ ٣٨٦) مادة [لبد].
(٤) انظر: المبسوط (١/ ١٠٨).
(٥) انظر: المبسوط (١/ ١٠٨).
(٦) كتب في حاشية (أ): الجابية إحدى كور دمشق وهي المذكورة في حديث عمر -رضي الله عنه-: فمطروا بالجابية. «مغرب».
(٧) الجابية: -بكسر الباء، وياء مخففة- وأصله في اللغة الحوض الذي يجبى فيه الماء، وهي: قرية من أعمال دمشق، وباب الجابية بدمشق منسوب إلى هذا الموضع. انظر: معجم البلدان (٢/ ٩١).
(٨) لم أجد هذا الأثر، فيما اطلعت عليه من كتب الحديث، قال القاسم بن سلام: وحدثنا محمد بن ربيعة، عن محمد بن حمير، عن زيد بن حنين: قالا: أصاب الناس ثلج بالجابية، لما نزلها عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقال عمر بن الخطاب: «أيها الناس إن الثلج لا يتيمم به» الطهور للقاسم بن سلام (١/ ٣١٩) برقم (٢٧١).