للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: لكن الأولى في هذا ما قاله العالمان (١) في التحقيق؛ أعني بهما: الإمام شمس الأئمة السرخسي والإمام فخر الإسلام؛ لأنها (٢) لو استدللنا في جواز التزام الزيادة من الأجنبي بهذا الحديث، وهو حديث أبي قتادة ينبغي أن يجوز من الأجنبي التزام أصل الثمن أيضاً، كما يجوز التزام الزيادة على الثمن؛ لأن حكم الحديث لا لفرق بينهما، وبالاتفاق أن التزام أصل الثمن لا يجوز منه، ولأن حكم الحديث إنما كان بعد الوجوب والتزام الزيادة من الأجنبي يجوز وقت المعاقدة قبل وجوب أصل الثمن على المشتري، فعلم أن بينهما فرق (٣).

فالنكاح جائز؛ لوجود سبب الولاية، وهو الملك في الرقبة على الكمال، أي سبب ولاية التزويج.

فإن قلت: كما (٤) أن الملك في الرقبة على الكمال سبب ولاية التزويج، فكذلك هو أيضاً سبب ولاية التصرف، فمن أين وقعت المفارقة بين النكاح وبين البيع، حيث جاز التزويج قبل القبض، ولم يجز البيع قبله، ولو قيل فبالحديث (٥)، فما الحكمة في تخصيص البيع دون سائر التصرفات.

قلت: الفرق بينهما من وجهين:

أحدهما: أن البيع يبطل بالغر (٦)، والنكاح لا يبطل؛ لأن معنى الغرر يتحقق فيه؛ لاحتمال (٧) الانفساخ بالهلاك قبل القبض، والنكاح لا ينفسخ بهلاك العقود (٨) عليه قبل القبض وبعده.

والثاني: أن القدرة على التسليم شرط لصحة البيع، وذلك إنما يكون بعد القبض، وهي ليست بشرط لصحة النكاح.

ألا ترى أن بيع الآبق لا يجوز، ونكاح الآبقة جائز، فلما ثبتت المفارقة بينهما من هذين الوجهين، وقد ورد النهي عن البيع قبل القبض اختص بالبقيع (٩)، ولم يكن ورود النهي عن البيع ورودًا في النكاح، وفي الفوائد (١٠): وذكر (١١) الصدر الشهيد (١٢) في الفتاوى الأكبر (١٣): اشترى جارية ثم زوّجها قبل القبض، إن تم البيع جاز النكاح، وإن انتقض بطل في قول أبي يوسف، خلافاً لمحمد -رحمه الله-، قال: والمختار قول أبي يوسف؛ لأن البيع متى انتقض قبل القبض انتقض من الأصل، فصار كأن (١٤) لم يكن، فكان النكاح باطلاً.


(١) في (ت): العلمان.
(٢) في (ت): لأنا.
(٣) في (ت): فرقا.
(٤) في (ت): وكما.
(٥) في (ت): بالحديث.
(٦) في (ت): بالغرر.
(٧) في (ت): معنى احتمال.
(٨) في (ت): المعقود.
(٩) في (ت): بالبيع.
(١٠) الفتاوى الهندية (١/ ٣٣٤).
(١١) في (ت): ذكر.
(١٢) عمر بن عبدالعزيز بن عمر بن مازة، أبو مُحَمَّد، حسام الدين، الحنفي، المعروف بالصدر الشهيد فقيه، أصولي، من أكابر الحنفية، تفقه على والده برهان الدين الكبير عبد العزيز، وناظر العلماء ودرس للفقهاء، وكان الملوك يصدرون عن رأيه، وتوفي شهيداً، من تصانيفه: "الفتاوى الكبرى"، و"الفتاوى الصغرى"، و"عمدة المفتي والمستفتي"، و"شرح أدب القاضي". الجواهر المضية (١/ ٣٩١)، الأَعْلَام للزركلي (٥/ ٥٠١).
(١٣) " الفتاوى الكبرى - مخطوط " في المكتبة العربية بدمشق.
(١٤) في (ت): كأنه.