للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(والثالث: أن يفصل ولا يعيّن)

أي: أن يفصل الثمن، ولا يعين الذي فيه الخيار، بأن قال: بعت منك هذين العبدين كل واحد منهما بخمسمائة على أني بالخيار في أحدهما ثلاثة أيام، فهو فاسد لجهالة المبيع (١).

(والرابع: أن يعيّن)

الذي فيه الخيار.

(ولا يفصل)

ثمن كل واحد منهما، فقال: بعت منك هذين العبدين بألف على أني بالخيار في هذا (العبد) (٢) بعينه ثلاثة أيام، وهو فاسد؛ لجهالة الثمن، كذا ذكره الإمام قاضي خان - رحمه الله -.

فإن قلت: ما الفرق بين الوجه الأول الذي لم يفصل الثمن ولم يعين الذي فيه الخيار والوجه الرابع الذي عين فيه الخيار ولم يفصل الثمن، وبين الذي اشتري عبدين بألف درهم فإذا أحدهما (٣) مدبر أو مكاتب، أو كان المبيع جاريتين فإذا إحداهما أم الولد (٤)، فإن العقد ينعقد صحيحاً في القن، وإن لم يكن فيه تفصيل الثمن، وكان الانعقاد في القن بالحصة لما إن العقد لا ينعقد في المدبر والمكاتب وأم الولد، حتى لو حلف لا يبيع فباع هؤلاء لا يحنث، وفي البيع بشرط الخيار يحنث، فكان أولى أن يكون قِرَانُ المدبر ونحوه مفسدًا لبيعِ القنِ، ومع ذلك لم يكن القبول (٥) في هؤلاء شرطاً مفسداً للبيع في القن عند عدم تفصيل الثمن، [وأفسد عدم تفصيل الثمن] (٦) بيع الذي ليس فيه الخيار فيما نحن فيه.

قلت: من مشائخنا من لم يشتغل بالفرق بينهما، وقال: قياس ما ذكره ههنا أنه لا يجوز العقد في القن في تلك المسائل، ويصير ما ذكر هنا رواية في تلك المسائل، ومنهم من اشتغل بالفرق، وهو الصحيح، والفرق ما ذكرنا أن بشرط الخيار يمنع انعقاد العقد في حق الحكم، ويجعل العقد في حق الحكم كالمعدوم فيما شرط فيه الخيار، وإذا لم ينعقد العقد في حق الحكم في حق المشروط فيه الخيار لو انعقد في حق الآخر ينعقد ابتداءً بالحصة، والعقد لا ينعقد ابتداءً بالحصة، أما في المدبر والمكاتب وأم الولد العقد ينعقد في حق الحكم إذا لم يوجد في حقهم ما يمنع انعقاد العقد، ولهذا لو قضى القاضي يجوز، لكن لم يثبت الحكم لحق محترم واجب الصيانة، والصيانة تحصل بمجرد منع الحكم، فلا ضرورة إلى أن يجعل العقد غير مباشر في حق الحكم كما انعقد في حق القن، ثم وجب قسمة الثمن بعد ذلك عند فسخ العقد على هؤلاء، والانقسام أبداً يكون بالحصة، ولا يوجب خللاً في العقد، كما لو جمع بين عبدين وأحدهما عبده وباعهما صفقة واحدة، وفيما نحن فيه البيع مقيد بالخيار، فالحاصل أن المانع من حكم العقد، فيما نحن فيه مقترن بالعقد لفظاً ومعنى، فأثّر المفسدُ، [وفي بيع القن مع هؤلاء المانع مقترن بالعقد معنًى لا لفظاً، فلم يؤثر المفسد] (٧)، ونظيره المشتري من الغاصب إذا أعتق ثم أجاز المولى البيع جاز الاعتاق، والمشتري ممن باع على أنه بالخيار إذا أعتق ثم أجاز لا ينفذ (٨)؛ لما أشرنا إليه، كذا في الذخيرة (٩) والفوائد الظهيرية.


(١) قال في البدائع: "هذا يخرج ما إذا اشترى ثوبين أو عبدين أو دابتين على أن المشتري أو البائع بالخيار في أحدهما ثلاثة أيام، ولم يعين الذي فيه الخيار من الذي لا خيار فيه، ولا بين حصة كل واحد منهما من الثمن، أن البيع فاسد فيهما جميعاً؛ لجهالة المبيع والثمن، أما جهالة المبيع: فلأن العقد في أحدهما باتٌّ، وفي الآخر خيار، ولم يعين أحدهما من الآخر، فكان المبيع مجهولاً". بدائع الصنائع (٥/ ١٥٧)، المحيط البرهاني (٦/ ٣٦٣)، تبيين الحقائق (٤/ ٢٠).
(٢) في (ب) وفي هامش (أ) وسقط من (ج) ..
(٣) "أم الولد" زيادة في (ج).
(٤) أم الولد هي: المملوكة التي ثبت نسب ولدها من مالك كلها أو بعضها. درر الحكام شرح غرر الأحكام (٢/ ١٩)
(٥) "القول" في (ج).
(٦) ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
(٧) ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(٨) "ينعقد" في (ب).
(٩) المحيط البرهاني (٦/ ٢٣٠).