للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قيل: نعم، إنه مجهول، ولكن مجهول بجهالة لا تفضي إلى المنازعة؛ لأن الكلام فيما إذا تراضيا على ذلك على أي مقدار بقي، وكل جهالة لا تفضي إلى المنازعة لا تفسد البيع، كما لو باع قفيزاً من هذه الصبرة.

قلنا: يحتمل أن لا يكون الثمرة إلا قدر المستثنى، فيخلو العقد عن الفائدة، فلا يصح، كما لا يصح مثل هذا في المضاربة لهذا المعنى، فكذا ههنا؛ لأن الأصل أن ما يجوز إيراد العقد عليه بانفراده يجوز استثناؤه من العقد (١)، فكذلك في العكس، ينعكس الحكم، فإن ما لا يجوز إيراد العقد عليه بانفراده لا يجوز استثناؤه من العقد، كما هو المذكور عن الكتاب، والمعنى فيه هو أن الاستثناء يقتضي أن يكون المستثنى مقصوداً معلوماً حتى إن استثناء الصفقة من الموصوف لا يصح (٢)؛ لأن الصفقة تدل على التبعية، والاستثناء يدل على أنه مقصود، وبينهما تناف، ولا يصح، وكذلك لو (٣) استثنى شيئاً مجهولاً لا يصح في البيع؛ لأن جهالة المستثنى يورث جهالة المستثنى منه، وكذلك إيراد العقد عليه تدل على أنه هو المقصود المعلوم، والاستثناء يصرف في اللفظ، وما كان داخلاً تحت اللفظ كان مقصوداً، فيصح استثناؤه، وما يدخل اللفظ على طريق التبعية لا يصح استثناؤه، كأطراف الحيوان فإنها تدخل عند ذكر الحيوان تبعاً فلا يصح استثناؤها (٤).


(١) قال في كشف الأسرار: "وهذا لأن صحة الإقرار لما ثبت حكماً للوكالة ما دامت الوكالة باقية كان حكمها باقياً؛ لأن الشيء إذا بقي بقي بحكمه، ولأن الاستثناء تصرف لفظي، فيقتصر عمله على ما يتناوله اللفظ، ولا يعمل فيما ثبت بطريق الحكم إلا بنقض الوكالة، أي: لا يملك إبطال إقراره عليه، إلا بأن ينقض الوكالة بالعزل؛ لأنه لما ثبت حكماً للوكالة ينتقض بانتقاضها. وقال محمد - رحمه الله -: وهو ظاهر الرواية، استثناؤه جائز، وللخصم أن لا يقبل هذا الوكيل؛ لأنه لما جاز استثناء الإقرار لا يمكنه الوصول إلى حقه إلا بإقامة البينة، وربما لا يتمكن من ذلك، فلا يفيده مخاصمته، فكان له أن لا يقبل". كشف الأسرار (٣/ ١٤٦)، فتح القدير (٦/ ٢٩٢).
(٢) "لا يجوز" في (ب).
(٣) "إذا" في (ب).
(٤) قال في الهداية: "قال: ولا يجوز أن يبيع ثمرة ويستثني منها أرطالاً معلومة" خلافاً لمالك -رحمه الله-؛ لأن الباقي بعد الاستثناء مجهول، بخلاف ما إذا باع واستثنى نخلاً معيناً؛ لأن الباقي معلوم بالمشاهدة. قال رضي الله عنه: قالوا هذه رواية الحسن، وهو قول الطحاوي؛ أما على ظاهر الرواية ينبغي أن يجوز؛ لأن الأصل أن ما يجوز إيراد العقد عليه بانفراده يجوز استثناؤه من العقد، وبيع قفيز من صبرة جائز، فكذا استثناؤه، بخلاف استثناء الحمل وأطراف الحيوان؛ لأنه لا يجوز بيعه، فكذا استثناؤه. بدائع الصنائع (٥/ ١٧٥)، الهداية (٣/ ٩٤٧).