للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ألا ترى أنّ أم الغلام لو كانت في ملكه هناك تصير أم ولد له وههنا لا تصير أمّ ولد له إلا أنّ أبا حنيفة (١) -رحمه الله- يقول: أن صريحه محال، كما قالا، فلا يثبت، ومجازه مستقيم فيثبت؛ لأنّ الكلام متى لم يثبت حقيقته وله مجاز يمكن إثباته يثبت مجازه؛ لأنّ الكلام ضربان حقيقة ومجاز، فلا يلغى ما أمكن، وإنّما قلنا أن مجازه مستقيم ههنا؛ لأنّ مجازه في أن يجعل كناية عن قوله: عتق علي من [حين] (٢) ملكته، وهذا مستقيم، وإنّما قلنا: أنّه يحتمل هذه الكناية؛ لأنّ الولاد مع الملك سبب العتق على المالك لا محالة، فإذا لم يحتمل المحلّ المضاف هذا السّبب، وهو العبد، صار السّبب كناية عن حكمه إذا احتمل المحل حكمه، لأن لا يلغو، فإن العرب تكني عن الشيء بسببه، فيجعل الولاد كناية عن حكمه، وهو العتق في الملك، فيصير قوله هذا ابني، [وقوله:] (٣) أنّه عتق علي من حين ملكته سواء، ويلغوا صريح البنوّة والولاد وحقيقته؛ لأن الكلام متى صار مجازاً عن غيره بطلت حقيقته.

ألا ترى أن من مات وترك مكاتباً فأعتقه الوارث كان إبراء للكناية، لا إعتاقاً من قبله، حتّى الولاء يكون للميّت، وإنّما قلنا: أنّه لا يكون إعتاقاً؛ لأنّه لا عتق فيما لا يملكه ابن آدم، والمكاتب غير قابل للنقل من ملكه إلى ملك، فكان مبقي على ملك المورث، وإذا كان كذلك فالإعتاق متّى صحّ أوجب الإبراء، فإذا لم يصحّ لأنّ المحلّ لا يحتمله من قبله، لما ذكرنا صار الإعتاق مجازاً عن الإبراء الذي هو حكمه.

وألا ترى أنّه إذا اشترى حرة بألف درهم كان نكاحاً، وكذلك الهبة؛ لأن المحلّ لا يحتمل الشراء حقيقة، ومن حكم الشراء ملك المتعة في المحلات للمشتري، فيصير كناية عن حكمه وهو تمليك المتعة، فيصير قوله: اشتريت، وقوله: تزوّجت بمنزلة، وههنا -أيضاً- لما كانت البنوة سبباً للعتق من حين ملكه، كان قوله: هذا ابني، مجازاً عن حكمه ومعناه، وهو قوله: عتق عليّ من حين ملكته؛ لأنّ البنوّة سبب لهذا، وكون السّبب مجازاً عن حكمه صحيح، كما في إعتاق الوارث المكاتب على ما ذكرنا، إلا أنّهما يقولان: المجاز خلف عن الحقيقة [في الحكم] (٤) ففي كل موضع يكون الأصل متصوراً يمكن جعل المجاز خلفاً عنه، كما في مسألة المكاتب، وفي كل موضع لا يكون الأصل متصوّرًا لا يمكن جعل المجاز خلفاً عنه، وههنا لا يصوّر للأصل بخلاف معروف النّسب، فإن هناك الأصل متصوّر، فيجوز إثبات المجاز خلفاً عنه، ولكن أبو حنيفة


(١) ينظر: المبسوط للسرخسي (٧/ ٦٧)
(٢) في (ب): حيث.
(٣) في (أ): وقال
(٤) سقطت من (ب).