للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وَالْمُسْتَحَقُّ التَّمَكُّنُ وَهُوَ حَاصِلٌ، أي التمكن بالوطء حاصل.

أمّا في المجذومة والمجنونة والبرصاء (١) فظاهر.

وأمّا في الرتقاء والقرناء فممكن بالشق والفتق.

وقال محمّد -رحمه الله-: لها الخيار إذا كان على حال لا يطيق المقام معه؛ لأنّه تعذّر عليها الوصول إلى حقها لمعنى فيه فكان بمنزلة ما لو وجدته مجبوباً أو عنّيناً (٢).

ولكنا نقول بهذه العيوب لا يفسد عليها باب استيفاء المقصود، إنّما تقلّ رغبتها فيه وتتأذّى بالصحبة والعشرة معه، وذلك غير مثبت لها الخيار كما لو وجدته سيء الخلق، أو مقطوع اليدين والرجلين، بخلاف الجُب والعِنّة، وكذلك أنه اشترط أحدهما على صاحبة السّلامة من العمى والشلل والزمانة فوجده بخلاف ذلك لا يثبت له الخيار.

وكذلك لو شرط أحدهما على صاحبه صفة الجمال أو البكارة فوجدها بخلاف ذلك لا يثبت له الخيار؛ لأنّ فوت زيادة مشروطة بمنزلة العيب في إثبات الخيار، كما في البيع ولهذا يتبيّن أنّه لا معتبر بتمام الرضاء في باب النكاح، فإنّه لو تزوّجها بشرط أنها بكر شابّة جميلة، فوجدها ثيباً عجوزًا شوهاء لها شق مائل وعقل زائل ولعاب سائل، فإنّه لا يثبت له الخيار فقد انعدم الرضاء منه بهذه الصفة، كذا في «المبسوط» (٣).

المشروع له النكاح وهو الوطء؛ لأن شرعية النكاح لأجل الوطء، فلذلك ثبت له الخيار في الجُبّ والعُنّة.

فإن قلت: جعل قبل هذا في المسألة التي بيننا وبين الشّافعي استيفاء الوطء من الثمرات على وجه عند فواته لم يوجب الخيار للزّوج في الرتق والقرن وغيرهما (٤) باعتبار أن استيفاء الوطء من الثمرات، فقال: لأن الاستيفاء من الثمرات، وقال: المقصود منه الحلّ على ما ذكر من «المبسوط» (٥)، فلم ينال هناك بفوت الثمرة ولم يثبت الخيار للزّوج، وههنا عكس ذلك التعليل وحكمه؛ حيث أثبت الخيار للمرأة في صورة الجُبِّ والعنّة، وجعل استيفاء الوطء من المقصود، فيلزم من هذا أن يكون استيفاء الوطء مقصودًا في النكاح وغير مقصود، ويكون هو مثبتًا الخيار وغير مثبت، فكيف يكون للشيء الواحد وصفان متضادان وحكمان متضادان وهو هو أي من غير تفنين؟.


(١) البرص: داء معروف، نسأل الله العافية منه ومن كل داء، وهو بياض يقع في الجسد، برص برصا، والأنثى برصاء. ينظر: لسان العرب (٧/ ٥).
(٢) ينظر: المبسوط للسرخسي (٥/ ٩٧).
(٣) المرجع السابق.
(٤) ينظر: الحاوي الكبير (٩/ ٣٣٨).
(٥) المبسوط للسرخسي (٥/ ٩٦).