للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثُمَّ الْوَطْءُ إذَا حَرُمَ حَرُمَ بِدَوَاعِيهِ، إلى آخره، وقال الشافعي -رحمه الله-: لا تحرم الدّواعي (١)؛ لأنّ التحريم عرف بقوله: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} (٢) والتماس في القرآن كناية عن الجماع، إلا أنّا نقول والتماس حقيقة للمسّ باليد فهو على الحقيقة حتّى يقوم الدّليل على المجاز، كذا في «الأسرار» (٣)، فتذكّر ههنا في حق حرمة الدّواعي ما ذكرناه في باب الاعتكاف (٤) فإنّه أوفق دليلاً وأدوم تمشية لأنّه يكثر وجودهما.

فإن قيل: لما كثر وجودهما كانا هما أدعى إلى شرع الزاجر من الظهار فلم نعكس الأمر؟.

قلنا: كما أن أوقات الحيض (٥) والصّوم أكثر دوراً كذلك أوقات الطهر والإفطار أكثر دوراً فلما كثر أوقات الطهر كان الجماع موجودًا فيها ظاهراً، فيوجب ذلك فتور رغبته في الجماع، فلا يليق فيه إيجاب الزاجر؛ لأنّ إيجاب الزّاجر يمنع وجود الجماع وبفتور الرغبة كان ممتنعًا عنه فلا يحتاج إلى إيجاب الزّاجر.

وهذا اللفظ إشارة إلى قوله: أنت عليّ كظهر أمي، لا يكون إلا ظهاراً؛ لأنّه صريح فيه يعني لو نوى الطّلاق أو الإيلاء أو قال: لم أنو شيئاً، يكون ظهاراً فلا يتمكّن من الإتيان به؛ لأنّ في ذلك يغير موضوع الشّرع وليس إلى العبد ذلك، بل له الامتثال بالمشروع ليس إلا تشبيه المحلّلة بالمحرّمة وحرف التعريف فيهما للعهد أي المحلّلة نكاحاً دون ملك اليمين، والمحرمة تأبيدًا لا توقيتًا، وهذا المعنى في عضو لا يجوز النظر إليه هذا احتراز عن التشبه باليد والرجل والشعر والظفر؛ لأنّه يحلّ النظر والمسّ فلا يكون مظاهراً بالتشبيه بهذا كذا في «المبسوط» (٦).

وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ رَأْسُك عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، أي: يكون مظاهراً.


(١) ينظر: الحاوي الكبير (١٠/ ٤٥٢).
(٢) سورة المجادلة (٣).
(٣) كتاب الأسرار، في الأصول والفروع، للشيخ العلامة أبي زيد عبيد الله بن عمر الدبوسي، الحنفي، وهو: مجلد كبير. لم يطبع، فيما اعلم. يُنْظَر: كشف الظنون (١/ ٨١) ..
(٤) الاعتكاف في اللغة: لُزُومُ الشَّيءِ والإقبال عليه، وفي الشرع: لزوم المسجد لطاعة الله تعالى فيه. ينظر: (المطلع على ألفاظ المقنع ص ١٩٤).
(٥) الحيض: دم يرخيه رحم المرأة بعد بلوغها في أوقات معتاده وأصله من حاض السيل وفاض إذا سال. ينظر: (الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي ص ٤٦).
(٦) المبسوط للسرخسي (٦/ ٢٢٥).