للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قيل: الإجماع، فقد قال ابن الزبير (١) -في حديث تماضر-: لو كان الأمر إلى لما ورثتها.

وقال عبد الرّحمن بن عوف -رضي الله عنه-: «ما طلقتها ضراراً ولا فراراً».

قلنا: مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَا وَرَّثْتهَا، أَيْ؛ لِجَهْلِي بِوَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ يَخْفَى عَلَيْهِ مَا لَمْ يَخَفْ عَلَى عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهَا سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ (٢).

ولكن توريث عثمان -رضي الله عنه- إياها بعد سؤال الطّلاق دليل على أنّه كان يورثها قبله، وقد قيل: هي ما سألته الطّلاق.

ولكنّه قال لها: إذا طهرت فآذينني، فلما طهرت آذنته، وبهذا لا يسقط ميراثها.

قوله -رحمه الله- فَيُرَدُّ عَلَيْهِ قَصْدُهُ بِتَأْخِيرِ عَمَلِهِ إلَى زَمَانِ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا، بتأخير متعلّق بقوله فيرد، والباء للآلة، وقال: دفعًا مفعول له فيرد، فإن الشّارع لما أخّر عمل الطّلاق إلى انقضاء العدّة في كثير من الأحكام من حرمة التزوج وحرمة الخروج والبروز وحرمة نكاح الأخت.

والرّابعة سواها وغيرها صلح ذلك التأخير في تأخير عمل الطلاق في حق الإرث أيضاً، فصار كأنّه لم يطلقها، كما هي كذلك في حق تلك الأحكام، أي: فيرد على هذا المريض المطلق قصده حرمًانها عن الإرث باستعانة تأخير عمل الطّلاق إلى انقضاء العدّة، لأجل دفع الضّرر عن المرأة، وبهذا خرج الجواب عن السؤال الوارد في قوله دفعًا للضّرر.

فإن قيل: لما كانت العلّة دفع الضّرر عن المرأة التي تعلّق حقها بماله في ابتداء مرضه، لوجب التّوريث في حقّ غير المدخول بها - أيضاً - إذا طلقها بغير سؤالها، لما أن حرمان الإرث في حقّها ضرر أيضاً.

لأنّا نقول إنّما نقول ببقاء النكاح حكمًا عند الإمكان ببقائه حكمًا، وذلك الإمكان عند بقاء العدّة، حتّى إذا انقضت عدة المعتدة لا نقول ببقاء النكاح حكمًا [أيضاً] ولا عدة على غير المدخول بها، لنا فلم يمكن الحكم بالبقاء لذلك، فلم يثبت التوريث، وإن تحقّق الضّرر أو يقول طلب دفع الضّرر هنا أي: في المدخولة أمس من دفع الضّرر في غير المدخولة، لما أن هذه المعتدة لا يمكنها اكتساب السّبب بواسطة التزوج، ولا كذلك ثمة، فلم يلزم من لزوم دفع الضّرر هنا لزوم دفعه هناك، وحاصله أنا نجعل البينونة الموجودة كالعدم، صيانة لحقها ودفعًا للظلم، كما جعل الشّرع القرابة الموجودة في حكم العدم بسبب العقل دفعًا للظلم.


(١) عبد اللَّه بن الزّبير بن عبد المطلب الهاشمي، ابن عمّ النبي -صلى الله عليه وسلم-. وهو أحد العبادلة، وأحد الشجعان من الصحابة، وأحد من ولى الخلافة منهم. يكنى أبا بكر. توفي في حربة مع الحجاج سنة ثلاث وسبعين من الهجرة. انظر: الإصابة في تمييز الصحابة (٤/ ٧٧)، وأسد الغابة (٣/ ٢٤١).
(٢) ينظر: المبسوط للسرخسي (٦/ ١٥٥).