للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(وقيد بالشوط) أي: بالشوط الواحد فإنه إن طاف للعمرة أربعة أشواط، فيأتي حكمه بأنه لا خلاف في رفض الحجّ، ولهذا يُعلم أنه إذا طاف للعمرة شوطين أو ثلاثة أشواط، ففيه هذا الخلاف الذي ذكره فيما إذا طاف للعمرة شوطاً، وبه صرح فخر الإسلام في «الجامع الصغير» (١).

ثُمَّ مسألتنا هذه، وهي أن المكي إذا أحرم لعمرة، وطاف لها شوطاً، ثُمَّ أحرم بالحجّ، فإنه يرفض الحجّ مبنية على أصل مختلف بيننا وبين الشافعي (٢)، وهي أن المكي منهي عن التمتع، والقران عندنا إلا في صورة واحدة، وهي أن المكي إذا خرج إلى الكوفة لحاجة، ثُمَّ عاد إلى مكة، وقرن، وأحرم من الميقات بحجة وعمرة كان قارنًا؛ لأن القارن هو من يجمع بين الإحرامين من الميقات، وقد وجد.

وقال الشافعي (٣) -رحمه الله-: يجوز ذلك للمكي مطلقًا، وقد ذكرناه فلما ثبت من أصلنا أن المكي منهي عن الجمع بين الإحرامين، وإذا جمع بين الإحرامين فلابد من رفض أحدهما لئلا يستديم في ارتكاب المنهي عنه فبعد ذلك لا [يخلو] (٤) حاله.

عن أحد ثلاثة أوجه:

إما أن يكون أحرم بالحجّ قبل أن يأتي بشيء من طواف العمرة، أو يأتي فإن أتى فلا يخلوا. إما أن يأتي بالقليل منه أو بالكثرة (٥)، وفي الوجهين إجماع، وهو أنه إن كان أحرم بالحجّ قبل أن يأتي بشيء من طواف العمرة فإنه يرفض العمرة إجماعًا؛ لأنه لم يوجد منه بلا عقد الإحرام فيهما، فإذا احتيج إلى رفض أحدهما كان رفض ما هو الأهون أولى، وهو العمرة.

والثاني: أنه إن كان طاف للعمرة أربعة أشواط، ثُمَّ أحرم بالحجّة، فإنه يرفض الحجّة إجماعًا لإتيانه بالأكثر.

والثالث: وهو مسألتنا فإنه إن طاف للعمرة أقل الأشواط، ثُمَّ أحرم بالحجّة، فإنه يرفض الحجّ عند أبي حنيفة -رحمه الله- خلافًا لهما.

لأنها أدنى حالًا؛ لأن الحجّ فريضة، والعمرة سنة هذا في حجة الإسلام فظاهر، وإن كان هذا في حجة التطوّع، فتعلل لرفض العمرة بالوجهين الآخرين، وهما أن العمرة أقل أعمالاً؛ لأن أفعالها الطواف والسعي لا غير؛ لأنها أيسر قضاء؛ لكونها غير مؤقتة.

قوله -رحمه الله-: (وكذا إذا أحرم بالعمرة، ثُمَّ بالحجّ).


(١) انظر: العناية شرح الهداية (٣/ ١١٥)، البحر الرائق شرح كنز الدقائق (٣/ ٥٤).
(٢) انظر: المجموع (٧/ ١٦٩)، مغني المحتاج (٢/ ٢٩٠).
(٣) انظر: المجموع (٧/ ١٦٩)، مغني المحتاج (٢/ ٢٩٠).
(٤) أثبته من (ب) وفي (أ) يخ، ولعل الصواب ماأثبته لأنه اختصار ل يخلو.
(٥) في (ب): بالكثير.