بعد أن تسمعَ منه تلك العبارةَ (نفسي … نفسي) فتتذكرُ زوجتك الحبيبةَ، أمَّ أولادِك، التي طالما أغدقت عليها من الدلالِ والملبسِ والمأكلِ، فكم ستستغرقُ أيضاً في سبيلِ البحثِ عنها، كم من السنين الطوالِ التي تساوي أضعافَ عمرِك في الدنيا في سبيلِ البحثِ عن تلك الزوجةِ، ولكن ما إن تجدْها حتى تسمعَ منها الإجابةَ نفسَها، فتذهبُ إلى كلِّ مَنْ يَخطرُ ببالِك تستنجدُ به، إلى ولدِك، فلذةِ كبدك، إلى ابنتك، إلى أخيك، وأختِك، وخالِك، وعمِّك، ثم إلى سائرِ عشيرتِك فتسمعُ الإجابةَ اليائسةَ في كلِّ مرةٍ:(نفسي … نفسي).
لقد مضَى عليك أكثرُ من عمرِك في الدنيا، بل أضعافُه، خمسون ألفَ سنةٍ وأنت تبحثُ عن حسنةٍ، كان بإمكانِك الحصولُ عليها بل على العديدِ من الحسناتِ في الدنيا في أقلَّ من الجزءِ من الدقيقةِ.
إنَّ احتمالَ عثورِك على أبيك أو أمِّك أو أحدٍ من أقربائِك في ذلك الوقت بين ملياراتِ البشرِ احتمالٌ ضئيلٌ جداً، يستغرقُ آلافَ السنين من الخمسين ألف سنة، وذلك في علمِ الاحتمالاتِ كمن يبحثُ عن كرةٍ ذاتِ نقطةٍ سوداءَ بين ملايينِ الكراتِ المماثلةِ بدونِ النظرِ إليها، وذلك بالطبعِ سوف يستغرقُ من الوقتِ ما لا يُحصَى. هذا مع احتماليةِ فرارِهم منك ومحاولةِ التخفِّي عن أنظارِك خشيةَ أن تكونَ لك مظلمةٌ عليهم يومَ لا يتحملُ أحدٌ عن أحدٍ وزنَ جناحِ بعوضةٍ ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ