للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

سيأتي عنه، ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم يكون قوم يخضبون في آخر الزمان بالسواد، وقد عرفت وجود طائفة قد خضبوا بالسواد في أول الزمان وبعده من الصحابة والتابعين وغيرهم رضي الله عنهم، فظهر أن الوعيد المذكور ليس على الخضاب بالسواد؛ إذ لو كان الوعيد على الخضب بالسواد لم يكن لذكر قوله في آخر الزمان فائدة، فالاستدلال بهذا الحديث على كراهة الخضب بالسواد ليس بصحيح.

قلت: قد يكون فائدة ذكر آخر الزمان أنه يكثر فيه، وينتشر، بخلاف ما وجد في العصر الأول، فإن الصبغ من آحادهم، وعلى كل حال هذا تأويل للنص والذي ينبغي على طالب العلم أن يترك تأويل النصوص وحملها على خلاف الظاهر، وإذا كنا نعيب على أهل البدع تأويل نصوص الصفات، فكيف نسمح لأنفسنا أن نقبل به هنا، وما الفائدة من ذكر هذا الخبر إذا كان على معصية لم تعلم، ويكون الخبر لغوًا لا فائدة فيه؛ لأننا لا نعلم جرمهم لنتقيه، غاية ما فيه أن في آخر الزمان قومًا لايريحون رائحة الجنة، ثم القاعدة الأصولية: أن الحكم إذا رتب على وصف فإنه يدل على أن الوصف علة في الحكم، فلو قال قائل: إن قوله تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ) [النور: ٢].

لو قال: إن الجلد ليس على الزنا، وإنما هو على معصية أخرى لم تذكر هل يمكن أن يقبل ذلك منه؟

الثالث: أن المراد بالخضب بالسواد في هذا الحديث الخضب به لغرض التلبيس والخداع، لا مطلقا جمعًا بين الأحاديث المختلفة، وهو حرام بالاتفاق (١).

قال ابن الجوزي: إنما كرهه - يعني الصبغ بالسواد - قوم لما فيه من التدليس، فأما أن يرتقي إلى درجة التحريم إذا لم يدلس، فيجب به هذا الوعيد، فلم يقل بذلك أحد، ثم نقول على تقدير الصحة يحتمل أن يكون المعنى: لا يريحون ريح الجنة لفعل


(١) تحفة الأحوذي (٥/ ٣٥٩، ٣٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>