متفرقين، فإذا فرَّق الشارع بين متشابهين فإن هناك علة أوجبت مثل ذلك، وقد تعلم العلة، وقد لا تعلم، والعقول قاصرة عن إدراك علل جميع الأحكام، فالله سبحانه وتعالى حكيم، ولا يأمر ولا ينهى إلا لحكمة، وإن كان طلب العلة ينبغي أن يكون مقصورًا على ما يفيد من تعدي الحكم إلى غيره مما يلحقه القياس، وإلا فالتسليم للنص الشرعي هو طريق المؤمنين:(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ)[الأحزاب: ٣٦].
ولا يعارض المؤمن النص بعقله فيهلك، ويكون حاله كحال إبليس الذي قال معترضًا على أمر ربه:(أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ)[ص: ٧٦].
وقد اختلف العلماء في تلمس تلك العلة، فمنهم من أرجع ذلك إلى طبيعة بول الأنثى، وأنه يختلف عن بول الذكر فيرى بعضهم أن بول الأنثى أنتن رائحة وأثقل من بول الذكر، ولذلك أمر بغسله دون بول الغلام.
(١١٠٤ - ٧٥) ومما يدخل في هذا ما ذكره أبو الحسن بن سلمة قال: حدثنا أحمد ابن موسى بن معقل، حدثنا أبو اليمان المصري قال: سألت الشافعي عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم: يرش من بول الغلام، ويغسل من بول الجارية، والماءان جميعًا واحد؟ قال: لأن بول الغلام من الماء والطين، وبول الجارية من اللحم والدم، ثم قال لي: فهمت؟ أو قال: لقنتَ؟ قال: قلت: لا، قال: إن الله تعالى لما خلق آدم خلقت حواء من ضلعه القصير، فصار بول الغلام من الماء والطين، وصار بول الجارية من اللحم والدم، قال: قال لي: فهمت؟ قلت: نعم. قال: نفعك اللَّه به.