للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بقاءه كالسّيف القاطع، لان مسَّهُ، وخشن حدُّه وكالنّهار الماتع، قاظ وسطه، وطاب إبراده. ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ فقال له صالح: قد وهبتها لك. ثم قال له: أنشدنا شيئا من شعرك لنرويه. فأنشده بديها أبياتا فيه، فترحَّل صالح.

وذكر أنّ أبا العلاء كان له مغارة ينزل إليها ويأكل فيها، ويقول: الأعمى عورة والواجب استتاره في كلِّ أحواله. فنزل مرّةً وأكل دبسا، فنقط على صدره منه ولم يشعر، فلمّا جلس للإقراء قال له بعض الطَّلبة: يا سيدي أكلت دبسا؟ فأسرع بيده إلى صدره يمسحه، وقال: نعم، لعن الله النَّهم. فاستحسنوا سرعة فهمه، وكان يعتذر إلى من يرحل إليه من الطّلبة، فإنّه كان ليس له سعة، وأهل اليسار بالمعرّة يعرفون بالبخل، وكان يتأوّه من ذلك.

وذكر الباخرزيُّ أبا العلاء فقال (١): ضريرٌ ما له في الأدب ضريب ومكفوف في قميص الفضل ملفوف، ومحجوب خصمه الألدّ محجوج. قد طال في ظلّ الإسلام آناؤه ولكن إنّما رشح بالإلحاد إناؤه، وعندنا بإساءته لكتابه الّذي زعموا أنّه عارض به القرآن وعنونه بالفصول والغايات في محاذاة السُّور والآيات.

قال القفطيّ (٢): وذكرت ما ساقه غرس النّعمة محمد بن هلال بن المحسّن فيه فقال: كان له شعرٌ كثير وفيه أدبٌ غزير، ويرمى بالإلحاد، وأشعاره دالّة على ما يزنُّ به، ولم يكن يأكل لحما ولا بيضا ولا لبنا، بل يقتصر على النّبات، ويحرّم إيلام الحيوان، ويظهر الصَّوم دائما. قال: ونحن نذكر طرفا ممّا بلغنا من شعره ليعلم صحّة ما يُحكى عنه من إلحاده، فمنه:

صرفُ الزّمانِ مُفَرِّقُ الإلْفَيْنِ … فاحكُمْ إلهي بين ذاك وبيني

أَنَهَيْتَ عن قتْل النُّفُوس تعمُّدا … وبَعَثْتَ أنتَ لقَبْضها مَلَكَيْنِ

وَزَعْمتَ أنّ لها مَعَادا ثانيا … ما كان أغناها عن الحالَيْنِ

ومنه (٣):


(١) دمية القصر ١/ ١٧٥.
(٢) إنباه الرواة ١/ ٧٤ - ٧٨.
(٣) ينظر لزوم ما لا يلزم ٢/ ٦٢٢ - ٦٢٣.