فكتبت على ظهرها:
يا من حوى مع فضله همة … بغير ثوب الشكر لا تكتسي
أرهقت عزمي في طلاب العلا … أن رغبوا في كاتب مفلس
ودفعتها إلى الرسول، وكان صبيًا، فخرج في الحال، فاجتاز بباب العامة والرقعة بيده، والخط رطب، فأخذ ترابًا ينشفه، فصادف ابن الحلواني صاحب الخبر فقال: يا صبي ما هذه الرقعة؟ قال: كتبها ابن السقطي إلى سديد الدولة ابن الأنباري. فكتب نسختها وعرضها على الإمام المستظهر بالله، فلما كان من الغد إذا رقعة ظهير الدين صاحب المخزن جاءتني إلى داري، يذكر فيها: إن رأى التجشم إلى داره التي أنا ساكنها لألقي إليه ما رسم فقل إن شاء الله، فركبت إليه في الحال، فحين دخلت قام متمثلًا وقال للجماعة: الخلوة، فانصرفوا، فقال: أمير المؤمنين يهدي إليك السلام ويقول: قد رغبنا في كاتب مفلس. فقلت في الحال: التصريح بطلب الرتب ما لا يقتضيه الأدب، فقلدت يومئذ ديوان الإنشاء، وأنعم علي بالخلع والمواهب.
قلت: وكان عمره يومئذٍ خمسًا وثلاثين سنة.
وأنبأني أحمد، عن ابن طارق، قال: حدثني سديد الدولة أن الحريري صاحب المقامات كتب إليه رقعة، فكتب إليه في الحال بديهًا:
أهلًا بمن أهدى إلي صحيفة … صافحتها بالروح لا بالراح
وتبلجت فتأرجت نفحاتها … كالمسك شيب نسيمه بالراح
فكتب إلي جواب هذه: لقد صدقت رواة الأخبار: إن معدن الكتابة الأنبار.
وقد ذكر وفاته ابن الأثير في الكامل (١) في سنة خمس وثلاثين، والنسخة سقيمة فلعل بدل توفي: عزل أو نحوه (٢).
٢٩٤ - محمد بن علي بن خطاب بن أبي الفتح، أبو شجاع الدينوري ثم البغدادي الخيمي، أخو يحيى.
سمع أبا الفضل أحمد بن خيرون، وأبا غالب الباقلاني، ومحمد بن
(١) الكامل ١١/ ٧٩.
(٢) وقد أعاد ابن الأثير وفاته على الصحيح في وفيات سنة ثمان وخمسين وخمس مئة (الكامل ١١/ ٢٩٧).