وقفز غير واحد، وقفز فارسان من الفرنج، فخلع عليهما فخر الدين. وذكر أن الخلف وقع بين الاسبتار والغرب.
وانسلخت الباشورة، فمات منا تحتها ثمانية أنفس. وليلة الخميس ثاني وعشرين جمادى الآخرة طلع أصحابنا من البرج المنقوب وملكوه وصاحوا، فضربنا الكوسات في الليل، وعلت الصنجات، وتكاثر الناس، فاندهش الفرنج وخذلوا، وهربوا إلى المراكب وإلى الأبراج واحتموا بها.
ودخل المسلمون القلعة في الليل وبذلوا السيف، وربما قتل بعضهم بعضاً لكثرة العالم وظلمة الليل وللكسب. ولم يزالوا ينقلون ذخائرها وأسلحتها طول الليل. ودخلها من الغد الأمير فخر الدين، وأعطى لمن في الأبراج أماناً على أنفسهم دون أموالهم. وكان فيهم ثلاثة أمراء معتبرين، وكانت الأسرى مائتين وستين أسيراً.
ووجدنا غرقى وأيدي مقطعة في البحر، وسببه تعلقهم بالمراكب للهرب، فيخاف الآخرون لا تغرق المراكب، فيضربون بالسيوف على أيديهم يقطعونها. ثم شرعنا في خراب القلعة ورحلنا، وقد تركناها مأوى للبوم والغربان، ومساكن للأراوي والغزلان، فسبحان الباقي الديان.
وفيها أخذ السلطان قلعة شميمس من الأشرف صاحب حمص، فحصنها وبعث إليها الخزائن.
وفيها جاء عسكر حلب فنازلوا حمص وحاصروها مدة، وأخذوها في سنة ست.
وفيها جاءت تذكرة بأن يحمل إلى مصر القاضي محيي الدين ابن الزكي، وابن العماد الكاتب، وابن الحضيري، وأولاد ابن صصرى الأربعة، والشرف ابن المعتمد، وجماعة؛ لأنهم كانوا من أصحاب الصالح إسماعيل، فلما وصلوا مصر أقاموا بحسب اختيارهم، فبقوا بها إلى بعد موت الصالح نجم الدين.
وفي ذي القعدة حبس عز الدين أيبك المعظمي في دار فرخشاه بتواطئ من ابن مطروح وغيره. وصنعوا مترجماً قد جاءه من حلب من عند الصالح إسماعيل، وكتبوا إلى السلطان يخبرونه بذلك، فأمر أن يحمل إلى القاهرة تحت الحوطة، فحمل وأنزل في دار صواب، فاعتقل بها، ورافعه ولده وقال: أموال أبي قد بعثها إلى حلب. فمرض أيبك ومات بغبنه.